مقال

الدكروري يكتب عن الإمام فخر الدين الرازي ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام فخر الدين الرازي ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

وقد كان المجسمة بكافة طوائفهم وفرقهم ما زالوا لا يستطيعون النهوض من آثار الضربات القوية والمتلاحقة التي كالها الإمام فخر الدين الرازي لمذهبهم ومشايخهم، فهو رحمه الله ما تركهم إلا بعد أن كسر شوكتهم وتركهم ضحكة للمتقدمين والمتأخرين، وكان الإمام الرازي شديد الوطأة عليهم في المناظرات وفي كتبه حتى كان بعضهم يبكي أمام الناس من هول ما يلاقيه من هذا الإمام وكان من أشد الكتب التي ألفها هذا الإمام الكبير الكتاب الذي سماه أساس التقديس، ذكر فيه خلاصة مذاهبهم ورد عليها على جميع التقادير، حتى بقي هذا الكتاب علامة وحسنة فلما نظر ابن تيمية في واقع أصحابه، قام بعدة تحركات وهو أن ابن تيمية لما لاحظ شدة تأثير الإمام الرازي على مذهبه وهو مذهب التجسيم، وأن ما تركه الإمام الرازي من كتب فهي الآن معاول بأيدي أصحابه يهدمون بها مذاهب المشبهة والمجسمة.

 

وقيل لما رأي ابن تيمية هذا الواقع شد عزمه على الرد على الإمام الرازي في غالب كتبه أساسا وكذلك الرد على سائر من هو من أصحاب الإمام الرازي من المتقدمين والمتأخرين ولذلك تراه كثيرا ما يرد عليه في أغلب كتبه إما بذكره بالاسم أو بالرد على مذهبه وطريقته ولما كان الإمام الرازي قد ألف كتابا خاصا في الرد على المجسمة وبيان تهافتهم وهو كتاب أساس التقديس، فقد ركز ابن تيمية جهوده على هذا الكتاب فكتب كتابه المشهور بالرد على أساس التقديس وقد كتب ابن تيمية في نصرة مذهب التجسيم كتبا ورسائل عديدة وبث أفكاره في أثناء كتبه وفتاويه ولم يدخر جهدا في نصرة مذهبه والذب عنه، وكان الإمام الرازي معظما عند الملوك، في خوارزم وغيرها، وبنيت له مدارس كثيرة في بلدان شتى، وامتلك من الذهب الإبريز ثمانين ألف دينار وغير ذلك من الأمتعة والمراكب والأثاث والملابس.

 

وكان له خمسون مملوكا من الترك، وكان يحضر في مجلس وعظه الملوك والوزراء والعلماء والأمراء والفقراء والعامة، وكانت له عبادات وأوراد، وكان مع غزارة علمه في فن الكلام يقول من لزم مذهب العجائز كان هو الفائز، وقد ذكرت وصيته عند موته وأنه رجع عن مذهب الكلام فيها إلى طريقة السلف وتسليم ما ورد على وجه المراد اللائق بجلال الله سبحانه، وقال ابن خلكان عنه هو فريد عصره، ونسيج وحده، فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات، له التصانيف المفيدة في فنون عديدة، منها تفسير القرآن الكريم، جمع فيه كل غريب وغريبة وهو كبير جدا لم يكمله، وكان خوارزم شاه يأتي إليه، وكان شديد الحرص جدا في العلوم الشرعية والحكمية حاد الذهن، كثير البراعة، قوي النظر في صناعة الطب، عارفا بالأدب، له شعر بالفارسي والعربي، وقال القفطي أنه قرأ علوم الأوائل وأجادها، وحقق علم الأصول.

 

ودخل خراسان ووقف على تصانيف أبي علي بن سينا والفارابي، وعلم من ذلك علما كثيرا وقال طاش كبرى زاده إمام المتكلمين، ذو الباع الواسع في تعليق العلوم، والاجتماع بالشائع من حقائق المنطوق والمفهوم، بحر ليس للبحر ما عنده من الجواهر، وحبر سما على السما، وأين للسماء مثل ما له من الزواهر، وروضة علم تستقل الرياض نفسها أن تحاكي ما لديه من الأزاهر، انتظمت بقدره العظيم عقود الملة الإسلامية، وانتظمت بدره النظيم ثغور المحمدية، وخاض من العلوم في بحار عميقة، وراض النفس في دفع أهل البدع وسلوك الطريقة، وأما الشرعيات تفسيرا وفقها وأصولا وغيرها، فكان بحرا لا يجارى، وبدرا، إلا أن هداه يشرق نهارا هذا وصف طاش كبرى زاده في كتابه مفتاح دار السعادة، والخلاصة أن الفخر الرازي حائز على ثناء المؤرخين والكتاب والنقاد القدماء والمحدثين خصوصا من أهل السنة والأشاعرة.

 

الذين عبر عنهم ودافع عن أركان طريقتهم ومذهبهم، مستعينا بثقافته الموسوعية الواسعة التي قل أن يجدوا مثلها في كنانتهم ومن أجل ذلك بذلوا له التقدير والتعظيم، بقدر ما صبت عليه الفرق الأخرى جام غضبها وأطلقت عليه ما استطاعت من شائعات واتهامات، وتنقل الإمام فخر الدين في البلاد الأعجمية من الري إلى خراسان، إلى خيوة وبخاري، وعامة بلاد ما وراء النهر، ودخل البلاد العربية العراق والشام، وكان أكثر استقراره وتدريسه بخوارزم وهي مدينة خيوة شرقي بحيرة قزوين، ثم استوطن مدينة هرات من البلاد الأفغانية وكانت وفاته بها، واكتمل حظه من مواد الثقافة الإسلامية فنشأ محلقا في أفقها بجناحين من اللغة العربية واللغة الفارسية، إذ أجادهما، وتمرس بآدابهما، واكتملت ملكته البيانية فيهما، وقال ابن خلكان وله اليد البيضاء في الوعظ باللسانين العربي والفارسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى