مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن رشد ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن رشد ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام إبن رشد، ومن هنا اهتمام الغربيين المحدثين به وإعلاء شأنه، وبخاصة المستشرقين بوصفه ممثلا أمينا للحضارة الإسلامية في لبوسها الاستشراقي، بمعنى تصويرها كأن لم تك في أفضل أحوالها أكثر من ناقل للتراث اليوناني إلى الغرب وليس ثمة من إبداع أصيل يُنسب لها، والدليل الباهر ابن رشد وجاءت محنته لترفع من قيمته أكثر بنظر هؤلاء ليعتبروه تجسيدا لفكر متحرر في وجه المتشددين، مع أنه كان فقيها أصوليا مالكيا لاتزال كتاباته الفقهية مراجع لها قيمتها الرفيعة على مر القرون حتى يومنا، ومع أن محنته لم تك أكثر من مكيدة على يد الحساد والوشاة الذين لايخلو منهم زمان أو بلاط، وكان موسى بن ميمون من أوائل الفقهاء اليهود الذين استقبلوا أعمال ابن رشد بحماس زائد، فقد قال أنه على اطلاع دائم بكتابات ابن رشد عن أعمال أرسطو.

 

وأنه على صواب مطلق وكذلك اعتمد كتاب اليهود في القرن الثالث عشر على كتابات ابن رشد في أعمالهم بغزارة، ومن بينهم صاموئيل بن تيبون في كتابه رأي الفلاسفة، ويهوذا بن سليمان كوهين في البحث عن الحكمة، وشيم توف بن فالقويرا وفي عام ألف ومائتان واثنين وثلاثين ميلادي، شرع يوسف بن أبا ماري في ترجمة تعليقات ابن رشد عن أورغانون وهي مجموعة كتابات أرسطو في المنطق، وكانت تلك أول ترجمة يهودية لأحد أعماله الكاملة، وفي عام ألف ومائتان وستين ميلادي، انتهى موسى بن تيبون من نشر تراجم جميع تعليقات ابن رشد تقريبا، وكذلك بعض أعماله في مجال الطب ووصلت شهرة المذهب الرشدي في الأوساط اليهودية إلى أوجها في القرن الرابع عشر، ومن بين الكتاب اليهود الذين شرعوا في ترجمة كتابات ابن رشد أو تأثروا بها كلونيموس بن كلونيموس وتوضروس توضروسي من آرل فرنسا.

 

وجرسونيدس من لانغيدوك، ولكن ابن رشد لم يسلم من ألسنة رجال الكنيسة فقد ذموه بكل شفة ولسان، وطعنوا عليه أقبح طعن، وهكذا نشأ ابن رشد في أسرة بارزة في الأندلس مارست الزعامة الفقهية والفتوى، حيث كان جده المعروف باسم ابن رشد الجد شيخ المالكية، وإمام جامع قرطبة، وقاضي الجماعة، ومن كبار مستشاري أمراء الدولة المرابطية، وكان والده أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد فقيها في جامع قرطبة، وقاضيا، وله شرح على سنن النسائي، وتفسير للقرآن في أسفار، ودرس ابن رشد الحفيد على يدي الفقيه الحافظ أبي محمد بن رزق، وحفظ كتاب الموطأ للإمام مالك على يدي أبيه، كما درس على أيدي العديد من الفقهاء ومن أبرزهم أبي جعفر بن عبد العزيز الذي أجاز له أن يفتي في الفقه، وفي الفلسفة تأثر ابن رشد بابن لجة، وكان صديقا لابن طفيل، وتولى ابن رشد القضاء في إشبيلية.

 

ثم في قرطبة وعندما استقال ابن طفيل من طبابة اقترح أن يكون ابن رشد خليفة له في منصبه، ثم استدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب إلى مركش وعينه طبيبا له، وقاضيا في قرطبة، كما استعان به في القيام بالعديد من المهام الرسمية، مما ساهم في تنقله في مختلف أنحاء المغرب، ويرى ابن رشد عدم وجود تعارض بين الفلسفة والدين، كما آمن بسرمدية الكون، وقد نشأ في بيت من بيوت العلم فقد كان جده ابن رشد أيضا فقيها عالما، عارفا بالفتوى على مذهب مالك، نافذا في علم الفرائض والأصول، من أهل الرئاسة في العلم والفهم مع الدين والفضل، وقد نشأ ابن رشد الحفيد في هذا البيت، ومع أنه لم يدرك جده هذا حيث توفي جده وعمر الحفيد شهر واحد إلا أنه ورث العلم الغزير، خاصة في الفقه عن أبيه الذي تعلم على يد جده وعن غيره من فقهاء عصره، وقيل إنه تلقى علوم الفلسفة على يد ابن باجة.

 

ويقول الذهبي عنه أنه ما ترك الاشتغال بالعلم منذ بلوغه سوى ليلتين، ليلة موت أبيه، وليلة عرسه، وأنه ألف وقيد نحوا من عشرة آلاف ورقة، ومال إلى علوم الحكماء، فكانت له فيها الإمامة، وقد تأثر الأوربيون بابن رشد كثيرا حيث كان له فضل كبير على روجر بيكون الفيلسوف الشهير الذي قال فيه إنه فيلسوف متين متعمق، صحح كثيرا من أغلاط الفكر الإنساني، وأضاف إلى ثمرات العقول ثروة لا يُستغنى عنها بسواها، وأدرك كثيرا مما لم يكن قبله معلوما لأحد، وأزال الغموض عن كثير من الكتب التي تناولها ببحثه، وكما كان ابن رشد الحفيد من أشهر علماء دولة الموحدين بالأندلس حيث كان الخليفة أبو يعقوب يوسف الموحدي يستعين به إذا احتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة، ثم دعاه أبو يعقوب إلى مراكش فجعله طبيبه الخاص، ثم ولاه منصب القضاء في قرطبة.

 

فلما مات أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه المنصور الموحدي زادت مكانة ابن رشد في عهده، ولكن كاد له بعض المقربين من الأمير، فأمر بنفيه، وأحرق كتبه، وأصدر منشورا ينهى عن قراءة كتب الفلسفة، وقد مات ابن رشد محبوسا في داره بمراكش سنة خمسمائة وخمس وتسعين من الهجرة، الموافق ألف ومائة وثماني وتسعين ميلادي، وتوفي ابن رشد في العاشر من شهر ديسمبر في مراكش ودفن فيها، وبعد ثلاثة أشهر نقل جثمانه إلى قرطبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى