
الدكروري يكتب عن حُسن الخاتمة ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الرابع مع حُسن الخاتمة، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة” رواه مسلم، وقال قتادة قال الحسن “ذُكر لنا أنه لما آتاه الموت نأى بصدره” وفي رواية “فأوحى الله إلى هذه أن تقاربي، وأوحى إلى هذه أن تباعدي، وقال قيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له” فسبحان الله العظيم الملك القدوس الأرض كلها بجبالها وأنهارها وكل ما عليها تتحرك بإذن من الله من أجل تائب، وإن من شروط التوبة هو الإقلاع عن الذنوب، والندم على فعل تلك الذنوب.
والعزم على ألا يعود إليها أبدا، والإخلاص في التوبة، والتحلل من المظالم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عِرض، فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات” وفي رواية أخرى “مَن كانت عنده مظلمة لأخيه من مال أو عرض، فليأته فليستحلها منه قبل أن يؤخذ وليس عنده درهم ولا دينار، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته فأعطيها هذا، وإلا أخذ من سيئات هذا فألقي عليه، وكذلك التوبة قبل الغرغرة، وقبل طلوع الشمس من مغربها لقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها” فإن حسن الخاتمة هاجس لكل مسلم أن يحسن الله خاتمته، وأن يثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا أحب الله عبدا استعمله”
قالوا يا رسول الله، كيف يستعمله؟ قال “يوفقه لعمل صالح قبل الموت” فإن ساعة الاحتضار ساعة رهيبة، يتمنى الإنسان أن يثبته الله فيها، ويظن أحد أنها سهلة، وأنه يستطيع أن يتكلم بما يريد، فكم من محتضر حضر عنده الناس، وقالوا له قل”لا إله إلا الله”، ولم يستطع أن ينطق بهذه الكلمة، بل ربما تكلم بكلام محرّم، وأفعال كان يفعلها في هذه الدنيا، فما الأسباب التي تساعد على حسن الختام؟ فإن السبب هو الإيمان بالله جل وعلا، فإن الله عز وجل يثبت عباده المؤمنين عند ساعة الاحتضار، ويثبت أولياءه في القبر عندما يسألون، ويثبتهم عندما يقومون من قبورهم، والسبب الثاني هو الاستقامة على طاعة الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أسباب حسن الخاتمة هو المحافظة على الصلوات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري.
“من صلى البردين دخل الجنة” والبردان هما صلاة الفجر وصلاة العصر، فمن حافظ على صلاة الفجر وعلى صلاة العصر، فإنه سيحافظ على بقية الصلاة، وربما يموت بين عبادتين، ربما يموت بعد أداء العبادة مباشرة، كم من شخص لقي ربه وهو ساجد بين يديه؟ وكم من شخص فاضت روحه وهو منكسر بين يدي خالقه مُقبل على الله بقلبه وبدنه؟ وكما أن من أسباب حسن الختام هو إحسان الظن بالله مع العمل الصالح، فقال الله تعالى في الحديث القدسي “أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرا فله” فمن صلى وصام وتصدق، وحج وبر والديه، ودعا ربه، فإنه يحسن الظن بخالقه أنه سيحسن خاتمته، ومن أسباب حسن الختام هو كثرة ذكر الله، فغالبا أن الإنسان عند ساعة الاحتضار ينطق بما كان يكثر منه في حياة الدنيا، فالذي يذكر ربه، ويكثر من ذلك، يثبته الله، وينطق بشهادة التوحيد عند ساعة الاحتضار.
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول “من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله، دخل الجنة” وكما أن من أسباب حسن الختام هو صنائع المعروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صنائع المعروف تقي مصارع السوء” ومن أسباب حسن الختام هو أن يكثر المسلم من ذكر الموت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أكثروا من ذكر هادم اللذات” فإذا أكثر المسلم من ذكر الموت، استعد بالتوبة الصادقة، وشمّر عن ساعد الجد بالأعمال الصالحة لأنه يعلم علم اليقين أنه في يوم من الأيام سيفارق الأهل والأحباب والدور والقصور والأموال، وسيوضع في حفرة مظلمة لا أنيس فيها ولا جليس، إلا ما قدم من الأعمال الصالحة، وكما أن من أسباب حسن الختام أيضا هو أن يكثر المسلم من الدعاء، ويسأل ربه بصدق أن يحسن الله خاتمته، فيقول أنس بن مالك رضي الله عنه “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول يا مقلب القلوب والأبصار، ثبت قلبي على دينك”