مقال

مصالحهم أولا وأخيرا

جريدة الأضواء

مصالحهم أولا وأخيرا

كتب / يوسف المقوسي

 

يعتمد الحزب الديني على المغايرة. هم غير الناس. خير أمة أخرجت للناس؛ ألا يقول النص المقدس ذلك؟ مغايرتهم تفترض استثنائيتهم وتعاليهم على الآخرين، حتى والهزء بهم وبمصائبهم ومصائرهم. لا مصير يستحق الاحترام إلا الشهادة. يعتمدون التربية والتلقين ليكون ذلك جزءاً من اقتناع الأتباع وعقيدتهم. هؤلاء لا يحتاجون الى ثقافة عامة ومعرفة تهدفان الى الإحاطة بما حولهم بل التدريب على ولوج طريق الشهادة. ما تطوّع الملائكة لنصرتهم إلا لأنهم كذلك.

 

لديهم عادة احتقار الناس واعتبارهم العوام الذين لا قيمة لمشاعرهم ومطالبهم. هم لأخذ التلقين وحسب. أصحاب العمامة يلقنونهم وقادة الحزب الديني يوجهونهم في سلوكهم اليومي وفي مسيرهم الى الشهادة. احتقار الناس متجذّر في عقيدتهم. لذلك ينكرون ثورات غيرهم ويتخذون الموقف ضدها. يناصرون أنظمة عربية استبدادية بحجة محاربة الإرهاب والتكفيريين. من حيث لا يدرون، أو ربما يدرون، يقفون مع الاستبداد ضد الإرهاب والتكفيريين في “حلف” واحد. هم أنصار المصارف، سواء قدمت لهم الخدمات أو لا، وسواءً قدموا لها الخدمات أو لا. ألا تراهم وعلى لوائحهم الانتخابية أصحاب المصارف؟ هم دائماً في صف الثورة المضادة. ثورة الناس ومطالبهم ضد أنظمتهم ومطالب إسقاط النظام. هي كلها ضد النظام القائم عربياً ومحلياً. لا بد وأنهم ينفذون إرادة إلهية في زعمهم. النظام القائم لم يوجد إلا لأن الله أراده. هل يحدث أي شيء على الأرض إلا بإرادة المتسامي؟.

 

اعتبرت الرأسمالية نفسها طبيعة بشرية. وكان ذلك إيذانا لها للقيام بكل أنواع الاستغلال والحروب الأهلية وحروب الإبادة. هم يعتبرون ما يحدث على الأرض تجسيداً لإرادة الله. لولا الاعتقاد بذلك لكان الأمر شركاً. تغيير ما على الأرض، حتى ما ابتلي به الناس من رأسمالية واستغلال وأنظمة استبداد، هو حنث بالعهد مع المتسامي. ما هو موجود إرادة له. لا يريدون الخروج على إرادته. لذلك الحلف دائم مع قوى الاستغلال والاستبداد، ومع القوى الحاكمة، لأنها موجودة بإرادة الله.

 

ينضمون الى الثورة المضادة. ولاؤهم لها. يشكون دائماً بالمنادين بالتغيير والثورة. رحلة هؤلاء الى السفارات غير سفارتهم. سفارتهم تنطق عن الحق. في النهاية يكرسون أنفسهم للمتسامي لا للعلاقات مع الناس. الناس يجب أن يُكرّسوا للقضية، وإلا فليس عندهم وفاء. يُلام الناس على ما يحدث مما لا يروقهم. يحيلونه الى مخالفة لأمر الله. هم دائماً يدعون إليه والى طاعته. فيهما السعادة الأبدية. ليست العلاقة مع الآخرين قائمة على السياسة، وهذه على التسوية، وهذه على التنازل عن بعض الحق. الحق المطلق لا يؤخذ إلا كاملاً. ليس في حسابهم أن سياسة الحق ليست سياسة. هي دعوة للمطلق. دعوة لا سياسة فيها. التحالف مع الآخر نوع من الموادعة كما بين دار الحرب ودار الإسلام قديماً. هو نوع من علاقة دبلوماسية بين جماعة مغلقة وآخرين مختلفين. فكأنهم من مجتمع آخر. الدولة ضمن الدولة هي في الأصل جماعة مغلقة ضمن المجتمع.

الحزب الشعبي لا يتعامل مع الآخرين على أنهم أغيار أو مجتمع مغلق آخر. هم فقط منافسون للأحزاب الأخرى داخل المجتمع، في صراع على الحصص ومغانم يتيحها الاشتراك بالدولة. يعترفون بالدولة. ذلك عكس الحزب الديني الذي لا يعترف بالدولة. يحميها إذا اقتضت الظروف، ظروف الموادعة

والدبلوماسية التي تكون عادة بين الدول. الحزب الديني في موادعة مع الدولة. ذلك أشبه بعلاقة دبلوماسية بين دولة وأخرى، وبين جماعة وأخرى، وبين جماعة ومجتمع مغاير.

أينما حلّ الحزب الديني هناك دولة موازية. لا ثقة بالدولة الرسمية، ولا بجيشها. الجيش الموازي، سواء كان حرساً ثوريا أو حرساً جمهوريا هو موضع الثقة. نظام الاستبداد أيضاً لا يثق بجيشه الرسمي. الحزب الديني يسير على خطى أنظمة الاستبداد. ليس على سبيل التحالف بل التشابه والمماهاة.

 

الحزب الديني هو دائماً نيوليبرالي بغض النظر عن الوجهة الدينية. كلاهما يستصغر شأن الدولة. لا اعتبار لها كوعاء يحتوي المجتمع، ناظماً له، على أساس السياسة والحوار. لم يكن صدفة أن الأحزاب الدينية والحكومات الدينية سياساتها الداخلية دائماً نيوليبرالية، وذلك بسبب العلاقة بالدولة، واعتبار ضرورة تصغير شأنها. في النيوليبرالية يتضاءل حجم الدولة بالنسبة للرأسمال الكبير الذي يحكم. لدى الحزب الديني استصغار لشأن الدولة ولا بأس إذا كان التحالف مع قادتها. الهدف واحد، والايديولوجيا تتشابه، وإن كان الأمر على تفاوت وبعض الاختلاف. حكم الاستبداد دائماً نيوليبرالي في تحالفه مع الراسمال المالي واستهانته بأمر الدولة. لا يُستهان بأمرها فقط لدى أهل السلطة بل يُستهان أيضاً بشعبها.

 

الدولة الحديثة ليست فقط سلطة، هي أيضاً الناس في اجتماعهم ومشاركتهم. إبعادهم عن ذلك، وإقصاء السياسة عنهم، هما في صلب النيوليبرالية، وحكم الاستبداد، والحزب الديني. الحزب العلماني يشرك جماعته في الدولة والسياسة، وإن كان الأمر يتحقق عن طريق أكباش الأحزاب للقيام بالمهمة. علاقة فساد بالدولة، لكنها علاقة تتضمن الاعتراف بها ولو لغايات ومصالح خاصة بحزبه. علاقة الحزب العلماني قائمة على فساد لا ينكرونه، بل يفرضون على السلطة تجاهله. علاقة الحزب الديني بالفساد قائمة على إنكاره. الفساد لغيرهم أما هم فالعلاقة بالمتسامي تحصنهم.

 

علاقة الحزب الديني بالعلم ملتبسة. المعرفة عندهم تُستنبط من بطون الكتب الفقهية والفتاوى الدينية. العلم الحديث مستنكر. فيه الكثير من التساؤل والشك حول الكون ومصيره. ذلك بخلاف ما هو مأخوذ من قصص الكتاب العزيز، والقصص هذه مأخوذة من سفر التكوين التوراتي. نظرية النشوء والارتقاء (عن تطوّر الجنس البشري انطلاقاً من أشكال الحياة الأدنى) تتناقض مع نظرية الخلق الدينية. العلم الحديث يتناقض مع الدين إذا أخذ بحرفيته. وهو، أي العلم الحديث، ما أثبتته الاختبارات والمختبرات وملاحظة الطبيعة واكتشاف قوانينها. أما التكنولوجيا، وإن استندت الى العلم الحديث، فهي أمر آخر يؤخذ به. التكنولوجيا ليس فيها أسئلة حول الكون والمصير. هي فقط أخذ بنتائج العلم وتعليبها وتدجينها بما يفيد الحياة اليومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى