مقال

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 7″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء السابع مع شهر الإنتصارات والفتوحات، وماتحققت هذه الإنتصارات للأمة على مدار تاريخها كله، إلا لما تخلصت من الروح اليائسة المحبطة المستسلمة للواقع، وتجاوزت حالتها المنكمشة المكتفة الأيدى، المنتظرة مصيرها على أيدى أعدائها دون أن تنتفض وتنهض، بل إنها لما كسرت طوق اليأس هذا، ونزعت عن نفسها قيود الإحباط والذل والهوان، إنطلقت تحقق النصر تلو النصر، وتكسب الجولة بعد الجولة، والمؤمن كذلك على مستواه الفردى، إذا أراد أن يحقق الإنتصارات التي ذكرناها، فماعليه إلا أن يتحرر من شرانق الإحباط، التى حبس نفسه فيها، ليرى أنوار الأمل المشرقة البراقة من حوله تملأ الدنيا ببركات ونفحات هذا الشهر الفضيل، فرمضان مدرسة الأخلاق الفاضلة كذلك، فيه يتعلم الصائم ويتدرب ويمارس كل أنواع الخلق الحسن ، التي رغب فيها الإسلام وحث عليها.

 

وقد يجد بعض الممارسات والأفعال من الناس لتختبر فيه مدى تمسكه بحسن الخلق، سواء مع جيرانه أو أهل بيته أو زملائه في العمل أو معامليه في الأسواق ، لذلك كان الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” الصيام جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب” وفي رواية ” ولا يجهل” فإن امرؤ سابه أو قاتله فليقل إني صائم، مرتين” متفق عليه، وهو دلالة على أن سوء الخلق يمحق بركات الصيام، وأنه أى الصيام مافرض إلا ليتدرب فيه الصائم عمليا على حسن الخلق، وذلك لما له من عاقبة حميدة، تقربه من مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهو والله العز والشرف، كما أنه يثقل ميزانه عند الحساب وهو عين النجاة، كما جاء في الحديث” إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا” رواه أحمد والترمذي وابن حبان.

 

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا ” ما من شيء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء” رواه الترمذى، لذلك فإن الإنتصار على السيء من الأخلاق، وعلى العادات السيئة كذلك، التى يكون العبد قد تعودها قبل رمضان من الغايات العظمى التي ينبغي أن يجعلها المؤمن على سلم أولوياته فى هذا الشهر، وإن من الإنتصار فى الشهر المبارك هو الإنتصار على التآكل والهزال الروحى، فإن هموم الحياة ومشاغلها وضغوطها، تنحت من الجانب الروحى والإيمانى للمؤمن، فإن لم يتعهدها دائما بالتجديد والتزود فإنه الهلاك بعينه، فتأتي نفحات رمضان وفيوضاته الروحية ليستدرك بها وفيها مانقص من إيمانه، وماتآكل وهزل وجف من روحه، فيجدد التوبة والأوبة والرجوع إلى مولاه، ويكثر من الإستغفار والتذلل والإنكسار والإنابة إليه، ويتصالح مع الصلاة والقرآن والأذكار.

 

ويكثر من الصدقة والإنفاق في سبيل الله، فما يمر عليه الشهر إلا وهو ممتليء روحيا يقظ إيمانيا، ويجد نفسه وقد ردت إليه روحه التى كاد أن يفقدها في زحمة المغريات والشهوات والجواذب والصوارف، وتخلص من تآكلها وهزالها وجفافها، بعد أن كانت قاحطة جدباء، وأنها قد أشرقت بنور ربها، بعد أن أظلمت وأدلهمت بكثرة الذنوب والمعاصى والآثام والتقصير في جنب الله عز وجل، فيخرج من محطة الصيام وهو أقوى إيمانا وأرق فؤادا وأنور قلبا وأهنأ بالا وأكثر إطمئنانا وأشف روحا وأشد عزما وأصلب عودا وأوفر سكينة وأعظم زادا، فما عليه إلا أن يواصل الترقى الروحي ويحافظ على كل ذلك لينتفع بها بعد رمضان، فالحذر كل الحذر أن يخرج عليك رمضان وأنت تراوح مكانك روحيا، فلا أنت تخلصت من جفافها وتآكلها، ولا أنت إستطعت أن تتفوق في عمليتى التخلية والتحلية .

 

فإن كان فأعلم بأنك قد إنهزمت في معركة الروح وأنك حرمت بركات الشهر وفضائله، فإن هذه الإنتصارات ينبغى على العبد المؤمن الصائم أن يحققها، وأن تكون برنامجه العملى في رمضان، حتى يحكم له بأنه قد كتب فى عداد الفائزين والناجحين والحاصلين على الجوائز، وأنه قد قدم الدلائل العملية البينة والقوية للقبول في مدرسة الثلاثين يوما، ووضع لبنة صالحة لتقريب موعد النصر وزيادة فرصه للأمة ودينها، وبأن لايكون حجر عثر في طريق تحقيق ذلك بتكاسله وهزائمه المتكررة أمام شيطانه وشهواته ونفسه وهواه ولسانه، وكما كانت فى أولى المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام، كانت غزوة بدر الكبرى في السابع عشر رمضان من العام الثانى للهجرة، فقاد النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة من أصحابه لاعتراض قافلة لقريش يقودها أبوسفيان بن حرب، إلا أن القافلة اتخذت طريقا آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى