
الدكروري يكتب عن شهر الإنتصارات والفتوحات ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء السادس مع شهر الإنتصارات والفتوحات، فإن رمضان تمرين عملى للصائم على التغلب على شهواته المختلفة من شهوة البطن والفرج، والنظر والسمع والكلام والقلب والنفس وغيرها، بحيث يتحرر من أسرها له، ويتعالى على جواذبها التي تجذبه إلى مستنقعها الآسن، ويخلص نفسه من كل دواعى الإستجابة لإغراءاتها والإنتصار في معركة الشهوات قضية مصيرية بالنسبة للمؤمن، لأنه إن انهزم فيها وفشل فى مقاومتها وسلم العنان والخطام لها،أدى به ذلك دون شك إلى الإنهزام في كل معاركه الأخرى، فالشهوات حواجز تحجز عنه موارد التوفيق، وصوارف تصرفه عن النجاح فى أمر آخرته الذى هو رأس الأمر له، وماانتصر أسلافنا على أعدائهم إلا بعد ما انتصروا فى معركة الشهوات هذه، وماانهزموا وإنكسرت شوكتهم إلا لما إستسلموا لشهواتهم وانهزموا أمامها.
وهكذا كانت إنتصارات رمضان ولكن كيف تنتصر على نفسك في رمضان؟ وهو أن لشهر رمضان فوائد نفسية جمة، ففى صيامه تهذيب لنفسك وتطهير لها من الذنوب والآثام، وفيه تتعلم كيفية التحكم بشهواتك، وتقويتك لإرادتك وضميرك، والتحكم بسلوكك، والشعور بغيرك من الناس، وهو مدرسة للصبر، وبه تنعم بالراحة والطمأنينة والسلام النفسي، لتمحو ما علق بنفسك من هموم ومشاكل وآثام فيما سبقه من العام، وتعينك على ما تبقى من أيامه، فيجب عليك أن تعود إلى الله بقلب صادق، فقد سمي شهر رمضان بهذا الاسم لأنه يرمض الذنوب، بمعنى أنه يحرق الذنوب ويمحوها، وإذا كان كذلك فعليك أن تعقد العزم على استغلال أيامه بالتوبة الخالصة، النابعة من القلب والروح، وعليك أن تكثر من الاستغفار والدعاء في القيام والصيام وقراءة القرآن، بأن يغفر لك الله ما كبر من ذنبك وما صغر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل،فيجب علينا الإنتصار على أمراض القلوب، وبما أن القلب السليم هو العملة الرابحة التي تنفع صاحبها يوم القيامة وتنقذه من عذاب الله ، كما قال تعالى فى سورة الشعراء ” يوم لا ينفع مال ولا بنوت إلا من أتى الله بقلب سليم” وبما أن القلب الأسود المظلم بأمراض الأحقاد والبغضاء والكراهية والحسد، والكبر والإستعلاء على الناس وغيرها حاجز لرحمة الله حائل دون توفيقه مانع لمعيته الخاصة للعبد، وبما أن هذه الأمراض حالقة للدين كما جاء في الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” دب إليكم داء الأمم من قبلكم، الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين ” رواه البزار، فإن شهر الصيام فرصة ذهبية للتخلص منها والإنتصار عليها.
لأن وسائل التنظيف والتطهير للقلب متوفرة بكثرة، والمحفزات المساعدة على ذلك ميسرة إلا من أبى، ومعركة أمراض القلوب هى معركة فاصلة فى تحديد قيمة العبد ومقامه عند مولاه، وماتفاضل من تفاضل من الصالحين إلا بها، ومابشر من بشر بالجنة وهو حى إلا بها، لذا أحرى بالعبد المؤمن أن لايتهاون في الفوز بها، مهما كانت التضحيات، لأن لها مابعدها في ضمان موقعه الريادى في الدنيا والآخرة، فسيد القوم من لايحمل الحقد هذا في الدنيا، فمابالك في الآخرة التى قال الله عز وجل فى حق أهل جنته كما جاء فى سورة الحجر” ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين” فإن جميع الأسباب فى شهر رمضان مهيئة للتوبة والعودة إلى الله بلقب صادق، فالشياطين مصفدة والفرص عظيمة والأجواء رواحنية، فلا تضيع ذلك، فحافظ على أذكار الصباح والمساء في رمضان.
وحاول تخصيص وقت في الصباح والمساء لقراءة الأذكار والأخذ بفضلها، ولتتقرب من الله ويتعلق قلبك به، ولتحصن نفسك بها من الشيطان الرجيم، وهى عديدة ومتنوعة ولا تأخذ منك الوقت الكثير، لكن اعمل على حضور ذهنك وقلبك أثناء قراءتها، لتفهم معانيها وتذوق حلاوة الإيمان، فإن من الإنتصار هو الإنتصار على اليأس والإحباط، فمن لم يستطع أن يتجاوز روح اليأس والإحباط، وينتصر عليها في رمضان، فهو فيما سواه أعجز، لأن ما يوفره الشهر من أجواء إيمانية وفرص ربانية وشفافية روحية، تساعد المؤمن الصائم وتدفعه دفعا إلى الأمل والتفاؤل، وتكون سندا قويا له على التعافى من كل مظاهر اليأس والإحباط، التى تكون قد لازمته قبل رمضان، وبما أن من صفات شهر الصيام أنه شهر الإنتصارات ، فإنه يتنافى وكل عوامل اليأس والإحباط.