
الدكروري يكتب عن العشر الآواخر والاعتكاف ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الثاني مع العشر الآواخر والاعتكاف، فمن اشتغل قلبه بشيء مهم أنساه الطعام والشراب، كالمصاب بفقد عزيز أو الظفر به، والله أعلم، وكما يستقبل المعتكف من يزوره، فعن السيدة صفية رضي الله عنها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب، وكذلك للمعتكف أن يتصل بغيره ويستقبل المكالمات، وليكن ذلك للحاجة لأن الإكثار من استقبال الزائرين والإكثار من المكالمات ينافي الحكمة من مشروعية الاعتكاف، وقال ابن القيم “ما يفعله الجهّال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة، ومجلبة للزائرين، وأخذهم بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لون، والاعتكاف النبوي لون، والله الموفق” وكما يستحب القضاء لمن فاته اعتكاف العشر بعذر، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذن لها، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب ابنة جحش أمرت ببناء فبُني لها، قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصر بالأبنية فقال ما هذا؟ قالوا بناء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “البر أردن بهذا؟ ما أنا بمعتكف” فرجع، فلما أفطر اعتكف عشرا من شوال” وأما عن خروج المعتكف ببدنه، فإن الخروج لما لا بد له منه حسا كحاجة الإنسان من بول وغائط، فهذا جائز بإجماع أهل العلم، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يُدني إليّ رأسه فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان” وله الخروج إذا احتاج إلى الأكل والشرب إذا لم يكن له من يأتيه به.
أو لما لا بد له منه شرعا كالطهارة، وأيضا الخروج من غير حاجة يفسد الاعتكاف لأن ملازمة المسجد ركن الاعتكاف الأعظم، ولمفهوم حديث عائشة رضي الله عنها ويستوي في ذلك القليل والكثير، وهذا هو الأصل في مفسدات العبادة كنواقض الوضوء، ومفسدات الصيام، وأما عن خروج بعض بدن المعتكف فإنه لا يفسد الاعتكاف بذلك كمن أخرج رأسه من باب المسجد أو من النافذة، وذلك لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يُدني إليّ رأسه فأرجّله” والاعتكاف هو لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، من الصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن والتفكر وغير ذلك، وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لا أعلم من أحد من العلماء خلافا أن الاعتكاف مسنون، والمقصود بالاعتكاف هو انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده، طلبا لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر.
وكما يعبر عن ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى يقول حقيقة الاعتكاف هو قطع العلائق عن الخلائق، للاتصال بخدمة الخالق، ويقول أيضا المعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله، وما يرضيه عنه، ولذلك ينبغي على المعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يتجنب ما لا يعنيه من حديث الدنيا ولا بأس أن يتحدث قليلا بحديث مباح مع أهله أو غيرهم، وأنه ليس لوقت الاعتكاف حد محدود في أصح أقوال أهل العلم، فللإنسان أن يعتكف العشر الأخيرة من رمضان كلها وهذا أفضل الاعتكاف وهو اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم، وله أن يعتكف بعضها، وله أن يعتكف يوما وليلة، وله أن يعتكف ليلة كاملة، وله أن يعتكف بعض يوم أو بعض ليلة كساعة أو ساعتين، أو بين العشائين.
أو من العصر إلى المغرب، أو من القيام الأول إلى الثاني، في العشر الأواخر، كل ذلك سائع لأن الشرع لم يحدد وقتا لأقتله ولا لأكثره، فما اعتبر اعتكافا في اللغة صح شرعا مع اعتبار النية في ذلك كغيره من العبادات، وليس من شرطه الصيام ولا أن يكون في رمضان لكنه مع الصيام وفي رمضان أفضل، ومن اعتكف العشر الأخيرة من رمضان فالسنة له أن يدخل معتكفة بعد صلاة الفجر من اليوم الحادي والعشرين اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ويخرج بانتهاء العشر ليلة العيد، وإنه يبطل الاعتكاف بأمور أولها هو الجماع، حيث قال الله تعالى في سورة البقرة ” ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد” وأما مقدمات الجماع كالتقبيل واللمس لشهوة فلا تجوز للمعتكف ولكنها لا تبطل اعتكافه، بل تنفص أجره، وثانيها هو الخروج من المسجد لغير حاجة، وليعلم أن خروج المعتكف بجميع بدنه على ثلاثة أقسام.