مقال

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الاعتكاف ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع الاعتكاف، وتعرف على أسرار الاعتكاف واكتشف كل يوم سرا جديدا، فله أسرار عظيمة، لئن وجدتها لتشعرن بما قاله السلفي قبلك، إنه ليمر علي أوقات يرقص فيها القلب طربا، ويقول إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه إنهم لفي عيش طيب، وتعرف على أكثر على عظمة الله عز وجل وتفكر في آلائه واعرف، وماقدروا الله حق قدره، فإن الاعتكاف خلوة، والاعتكاف انقطاع عن الدنيا وعن محادثة الناس، ومن هنا تعلم أن الهاتف عدو الاعتكاف الأول فهو والله مصيبة من المصائب يوم يصرفك عن طاعة الله أو يشغل ذهنك في شيء من زينة الحياة الدنيا أو يقطع سياحتك في العالم العلوي أو يفسد عليك لذة خلوة ومناجاة لو جمعت الدنيا كلها لتحصل عليها ما استطعت، وهو الله مصيبة، ومصيبة أعظم في حق المعتكف، أن ترى الواحد من الناس قد نشر كتاب الله بين يديه يتلوه ويقرأه.

 

أو رفع يديه متضرعا بين يدي الله سبحانه وقد وضع الهاتف بجانبه، يرد على أي اتصال ويقرأ كل رسالة واردة وصادرة، ويزعم أنه لا يستطيع الاستغناء عن الهاتف، ولو سألته أين أنت قبل عشر سنين أو تزيد يوم لم تكن هواتف محمولة ؟ هل تغير شيء ؟ ولذا فإن الحل السهل الممتنع عند كثير من الناس هو الإقفال التام وعدم فتحه إلا لبر والدين، أو قضاء ضرورة ملحة، لكن أين من يستطيع؟ ولنعلم جميعا أن في العشر الأواخر من رمضان تعظم الأجور وتضاعف الحسنات ولذا فمن المهم أن يحرص الإنسان على أن لا تفوته أي سنة يستطيع تطبيقها، ومن ذلك التبكير إلى الصف الأول، والتواجد قبل الأذان في الصف ليتحقق انتظار الصلاة، واحتساب الرباط بين الصلوات، والدنو من الإمام، والحرص على ميامن الصفوف، والحرص على الركعتين بعد كل وضوء، والبقاء على طهارة ووضوء دائمين .

 

والحرص على السواك خصوصا في مواطن الاستحباب كقبل الوضوء وقبل الصلاة وبعد النوم وغير ذلك، والتبسم للمسلمين ومصافحتهم، والمساعدة في تنظيف المسجد على أن لا يشغل عن المقصود الأسمى وهو التفرغ والخلوة، فإن العشر الأخيرة من رمضان عظيم فضلها، كبير أجرها، شريف قدرها، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، فكان عليه الصلاة والسلام إذا دخلت العشر أحيا ليله، وأيقظ أهله، وشد مئزره، فيها ليلة خير من ألف شهر، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ألا وإن آكد ما يكون في هذه الليلة التضرع إلى الله جل وعلا، والابتهال إليه بالدعاء، فلقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم “إن وافقتها فبِم أقول؟ قال “قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني” .

 

ومما يُسن في هذه العشر هو الاعتكاف الذي هو لزوم المسجد لطاعة الله جل وعلا، فلقد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه العشر، واعتكف أزواجه في حياته ومن بعد وفاته، وإن مقصود الاعتكاف هو حبس النفس على طاعة الله سبحانه، وقطع العلائق عن الخلق للقرب من الخالق، وأقل مدة الاعتكاف على الصحيح من أقوال العلماء هو يوم أو ليلة، ولا يجوز للمرأة الاعتكاف إلا بإذن زوجها، ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجماعة، والأفضل في مسجد تقام فيه الجمعة إذا كان اعتكافه يتخلل الجمعة، وأما المرأة فيجوز لها أن تعتكف في كل مسجد سوى مُصلى بيتها، وإن على المرأة أن تكون في أكمل الأحوال من التحشم والتستر، وإن المُعتكف لا يخرج شرعا إلا لما لا بد له منه إما شرعا كالخروج إلى الجمعة، وإما حسا كقضاء الحاجة، أو الإتيان بمأكل لعدم من يأتيه به.

 

فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها “السنة للمُعتكف ألا يخرج إلا لما لا بد له منه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل بيته إلا لحاجة الإنسان” ولا يعود مريضا، ولا يشهد جنازة، ولا يزور قريبا إلا إن اشترطه في بداية اعتكافه، ومن اعتكف العشر الأخيرة من رمضان فالأولى له أن يخرج من معتكفه إلى المصلى، كما ورد ذلك عن السلف، ألا وإن مما ينبغي أن يُعلم أن التحدث إلى الآخرين والانشغال بذلك مما يُضيع الأوقات سُدى، أو مما ربما يؤدي إلى الحرام كالغيبة، والنميمة، فإن ذلك مُنافي للاعتكاف، وإلا فلا بأس من التحدث للزائر، كما تحدثت صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما زارته في المسجد وهو مُعتكف، ويجب على المُعتكف أن يحترم المسجد وأحكامه، وأن يتأدب بآدابه، وأن يكون على غاية التنظف والتجمل وأن يلبس أحسن ثيابه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى