
الدكروري يكتب عن شهر الجهاد والصبر ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الثامن مع شهر الجهاد والصبر، وإذا كان كذلك فإن المسلم عليه أن يجتهد في جهاد النفس والشيطان حتى تستقيم نفسه على طاعة الله عز وجل، وحتى يفوز بالنعيم العظيم الذى ليس فيه نصب ولا وصب، ولا هم ولا غم، ولا تعب في دار النعيم، فى جنة عرضها السموات والارض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لكنها لا تحصل للإنسان إلا إذا جاهد نفسه في هذه الحياة الدنيا حتى تستقيم على طاعة الله عز وجل، ومن أعظم العبادات، التي تعين المسلم على الانتصار على شهواته عبادة الصيام، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال، قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم” يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”
وقال الحافظ ابن حجر مقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح واستشكل بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك والله أعلم، وقال الحليمى الصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف عن الحرام، وأيضا من أنواع الإنتصار فى رمضان هو الانتصار على الشح والبخل، فإن التخلص من داء الشح والبخل، وتطهير النفس منهما، والذى عدّه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهلكات، والمتسبب في كثير من الموبقات، فعن جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “اتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم” وعن عبد الله بن عمرو قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال “إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا.
وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا” فالتخلص من الشح من مقاصد الصيام المهمة، لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، فليتأس المؤمن برسوله صلى الله عليه وسلم، ويعلنها حربا لا هوادة فيها على كل ما له علاقة بالشح والبخل، فالفلاح الذى هو غايته ومبتغاه في الدنيا والآخرة، لا يمكن أن يحوزه إلا إذا نجح في معركته مع الشح، كما قال تعالى فى سورة التغابن ” وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” فالصيام مدرسة يتعود فيها العبد على السخاء، وإطلاق اليد بالعطاء، ويتعمق لديه فيها الشعور بمعاناة المحرومين، وقد سئل بعض السلف لمَ شرع الصيام؟
قال ليذوق الغنى طعم الجوع فلا ينسى الجائع، فيا أيها الناس لا يزال المرء ممتدحا بخيار خصاله وأخلاقه، مذموما بشرار أفعاله وأخلاقه، وإن أصحاب النفوس الأبية لا ترضى بالدون حتى تبلغ معالي الأمور وتتربع على عرشها، ولقد خلق الله تعالى أخلاقا ذميمة، وحذر الناس منها ابتلاء لهم أيصبرون وكان ربك بصيرا، وإن من تلك الخصال الذميمة التي ينفر منها أصحاب الفطر السليمة هى خصلة البخل، فالبخل خصلة سوء تجر إلى خصال سيئة كثيرة، فقال الماوردى رحمه الله، قد يحدث عن البخل من الأخلاق المذمومة وإن كان البخل ذريعة إلى كل مذمة، أربعة أخلاق ناهيك بها ذمّا وهى الحرص والشره، وسوء الظن ومنع الحقوق، وإذا آل البخيل إلى ما وصفنا من الأخلاق المذمومة والشيم اللئيمة لم يبق معه خير موجود ولا صلاح مأمول، وإن البخل طريق مظلم يقع فيه البخيل.
فلا يسير على هدى بل يتخبط حتى يهوى في الموبقات ومهاوى الهلاك، فالبخل يؤدى بصاحبه إلى الشح، والشح أعظم من البخل، وقال عبد الله بن عمرو “الشح أشد من البخل لأن الشحيح هو الذى يشح على ما فى يد غيره حتى يأخذه ويشح بما في يده فيحبسه، والبخيل هو الذى يبخل بما في يده” وقال ابن القيم رحمه الله “والفرق بين الشح والبخل، أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقى شره، وذلك هو المفلح ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” والشح هو المهلك للعبد بل للأمم.