
الدكروري يكتب عن رابطة الصدق بالإيمان ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الثالث مع رابطة الصدق بالإيمان، ويقول كعب وضاقت عليّ الدنيا بما رحبت، كما وصف الله ذلك، وأظلم في عينيّ كل شيء لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجساد بالعلل واستمر الصحابة لا يتكلمون مع كعب، تأتي امرأته فتصنع له الطعام وتعطيه إياه، ولا تلتفت إليه، إذا أتى يأكل أعطته ظهرها لأنها تريد أن تقاطعه، فالولاء والحب والبغض والعطاء والمنع لله، يقول لامرأته اسقيني، فتأخذ الماء في الإناء وتعطيه إياه وهي لا تلتفت إليه لأنه رجل تخلف وعصى الله ورسوله، ينزل إلى السوق فيسلم على الصحابة لا يكلمه أحد، يذهب إلى أقاربه فلا يفتحون له الباب، لا يزوره أحد، هذا هو مستوى المجتمع الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فضاقت عليّ الأرض بما رحبت، فتسورت حائط ابن عمي أبي قتادة.
وأبو قتادة هذا فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ممنوع أن يدخل من الباب فأتى من الجدار، فهو ابن عمه ويريد أن يكلمه قال فتسورت الجدار واقتحمت عليه البيت فدخلت، قلت يا أبا قتادة أسألك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فلم يكلمني، قلت يا أبا قتادة أسألك بالله هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فلم يجبني، فسألته في الثالثة ودمعت عيناي، فقال الله ورسوله أعلم، قال فعدت من الجدار، وبعد أن تمت لهؤلاء الثلاثة أربعون ليلة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم أن اعتزلوا نساءكم، انظر إلى الشدة، وانظر إلى الكرب الشديد، وانظر إلى الزلزلة التي لا يعلمها إلا الله، إنسان يرى أن الله من السماء قد غضب عليه بسبب معصية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قاطعه، وأن الصحابة لا يكلمونه، أين شعوره؟ وأين أشواقه؟ وأين حياته؟
وأين صبره؟قال فرفض الناس تكليمنا ولما تمت لنا أربعون يوما أمر صلى الله عليه وسلم أن نعتزل النساء، فأتت امرأة هلال بن أمية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت يا رسول الله ماذا أفعل؟ قال اعتزلي هلال، قالت يا رسول الله هلال شيخ كبير، والله ما زال يبكي منذ تخلف عنك إلى اليوم، والله ما يأكل من الطعام إلا قليلا وقال كعب بن مالك كنت أنا أشب القوم فكان أصغر الثلاثة فكنت أنزل إلى الأسواق فلا يكلمني أحد، أسلم فلا يردون، قال بينما أنا بالسوق إذا بنبطي والنبطي هذا يبيع ملابس، وقد أتى من الشام، وهو أعجمي أرسله ملك غسان برسالة إلى كعب بن مالك يريد أن يغرق بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم قال ففتحت الرسالة وكان كعب يقرأ فإذا هي من ذاك الملك يقول لم يجعلك الله بدار مضيعة، وإنا سمعنا أن صاحبك قد جفاك.
فالحق بنا نواسك فيقول الحق بنا واترك الدين فإن صاحبك محمد صلى الله عليه وسلم جفاك قال كعب فقلت هذا من البلاء، فتيممت بها التنور فسجرتها التنور هو الكانون، سحرتها أي أحرقتها، ثم لبث في بيته حتى تمت خمسون ليلة، وقد يقال الثمانون؟ أما تخلف ثلاثة وثمانون، ثلاثة يعيشون المرارة والأسى واللوعة والقلق والاضطراب، وثمانون أين هم؟الثمانون منافقون جميعا، عفا عنهم صلى الله عليه وسلم وما عاتبهم لأن هؤلاء منافقون، وحسابهم على الله ولا ينفع فيهم الهجر، فهو كافر فكيف يعاتبه صلى الله عليه وسلم؟أما كعب بن مالك وصاحباه فإن فيهم خير وإيمان وجهاد وصدق، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، فقد أساءوا لكنه صلى الله عليه وسلم يمحصهم بالعتاب، والعتاب فيه مرارة، حتى يقول كعب بن مالك كنت أنزل فأحضر الصلاة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهي صلاة الفريضة.
قال إذا أتيت وهو يصلي سلمت عليه، وقال وإذا كان جالسا سلمت عليه، فوالله لا أدري هل يرد عليّ السلام أو لا، قال فإذا سلمت من صلاتي أقبل على شأنه صلى الله عليه وسلم فإذا قمت أصلي التفت إليّ صلى الله عليه وسلم وهنا الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يعاتب ويربي أحد تلاميذه الأخيار الأبرار الصادقين مع الله فيقول إذا قمت أصلي النافلة أتى صلى الله عليه وسلم ينظر فيّ ويتفقد حالي ويمد بصره فيّ، قال فإذا سلمت رجع صلى الله عليه وسلم ونكس رأسه، فلما تمت لهم خمسون ليلة أتى الفرج من الله، من فوق سبع سماوات، ليس من أحد، وإنما من الله عز وجل وأما المنافقـون فيقول الله تعالي كما جاء في سورة التوبة ” عفا الله عنك لم أذنت لهم حتب يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين” .