
الدكروري يكتب عن رابطة الصدق بالإيمان ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
ونكمل الجزء الرابع مع رابطة الصدق بالإيمان، ويقول أنك تعفو عنهم وهم قد كذبوا على الله وخانوا شرعه، وعطلوا الجهاد في سبيله؟ فلماذا تعفو عنهم؟ إنما عفا عنهم صلى الله عليه وسلم، فعفا الله عنه ثم عاتبه، فتمت خمسون ليلة وأتى العفو من الله عز وجل، فقال تعالى كما جاء في سورة التوبة ” وعلي الذين خلفوا حتي إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب الله عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم” فقال كعب فصليت الفجر على بيتي وكان بيته في سلع، وسلع هو جبل في المدينة قريب من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر “إذا بلغ البناء سلعا فاخرج من المدينة” أي إذا تطاول الناس بالبنيان والعمران وبلغت جبل سلع فاخرج من المدينة.
فلما بلغ البناء سلعا خرج أبو ذر إلى الربذة، فصلى كعب بن مالك صلاة الفجر مكانه، وقال ولما سلمت من الصلاة، وإذا برجل على فرس أقبل يريد أن يبشرني وبرجل آخر على قدميه على جبل سلع، يعني الذي يمشي على رجليه صعد الجبل، والفارس أتى من الوادي يريدان جميعا أن يبشراه، وهذه شيمة المؤمن أنه يفرح لأخيه ويبشره إذا وقع ما يسره، وأن يقدم له ما يفرحه فإن هذا من عمل الخير ومن شيم المؤمنين، قال كعب فسبق صوت ذاك الرجل الذي على الجبل فقد أراد الفارس أن يسبقه بالفرس، لكن ذاك صاح وقال يا كعب بن مالك أبشر بتوبة الله عليك، أبشر بخير يوم منذ ولدتك أمك، قال فسجدت لله شاكرا وهذا سجود الشكر، وإذا الحسن همى فاسجد له فسجود الشكر فرض يا أخي وحسان الكون لما أن بدت أقبلت نحوي وقالت لي إليّ فتعاميت .
كأن لم أرها حينما أبصرت مقصودي لدي والرسول صلى الله عليه وسلم كان يسجد سجود الشكر إذا أتاه ما يفرحه ويسره صلى الله عليه وسلم وفي إحدى المرات نزل صلى الله عليه وسلم من على الدابة وسجد على الأرض والحديث حسن، فقال سعد بن أبي وقاص ما لك يا رسول الله؟ قال أخبرني جبريل الآن أن الله يقول “لا يصلي عليك رجل صلاة إلا صليت عليه بها عشرا” فسجد صلى الله عليه وسلم من هذه النعمة، وأتاه كتاب من علي من اليمن يبشره أن قبائل همدان قد أسلمت، فسجد عليه الصلاة والسلام شاكرا لله، وقال “السلام على همدان، السلام على همدان، السلام على همدان” وإنه للفائدة لا يشترط في سجود الشكر الوضوء، بل إذا أتاك ما يسرك ويفرحك فضع رأسك فرحا لله عز وجل، خاصة في الأمور الدينية، وتأتي الأمور الدنيوية تبعا.
لكن بعض الناس لا يظن أنه انتصر إلا إذا حصل على وظيفة أو منصب أو مال أو سيارة أو قصر، أما أمور الدين فلا يحسب لها ذلك الحساب، فيقول تعالي في سورة يونس ” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون” فسجد كعب رضي الله عنه ورفع رأسه، وقال وكان عندي ثوبان وفي رواية للبخاري يقول لو كان عندي إزار ورداء، قال فلبست لباسا قديما ثم أعطيت هذا المبشّر بشيء، قال فلما بشرني خلعت له ثوبي ولبست ثوبا قديما وسلمت له الثوب هذا جزاء البشارة وذهبت إلى ابن عمي، فاستعرت منه ثوبا فلبسته أي بمعني أنه لبس ثوبا جديدا ليلقى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومضى كعب إلى المدينة، إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا بالرسول صلى الله عليه وسلم حوله أصحابه، وهو جالس وسطهم كالبدر.
فأتى كعب رضي الله عنه وأرضاه مسرعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل المسجد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإذا وجه الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه قطعة قمر، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر بالأمر رئي وجهه يبرق من السرور، فجلس كعب بن مالك بعد أن قام له طلحة بن عبيد الله، فقال صلى الله عليه وسلم “أبشر يا كعب بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك” قال كعب فبكيت من الفرح، فقال صلى الله عليه وسلم “يا كعب أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك يوم تاب الله عليه قال كعب يا رسول الله إن من توبة الله عليّ أن أتخلع من مالي” بمعني أنه يقول من حق الله ما دام أنه قد تاب عليّ وقبلني، فمن حق الله عليّ أن أنخلع من مالي، وأتصدق به في سبيل الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم “أبقي عليك بعض مالك فهو خير لك”
وهذا مبدأ في الإسلام لابد أن يتنبه إليه، بعض الناس يمدح بعض الناس يقولون لا يمسك درهما ولا دينارا وورثته ومكسبه وأهله وأطفاله أين يذهبون؟ فقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص “إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس” فيقول رسول الله لكعب بن مالك ” أبقي عليك بعض مالك، فهو خير لك فإني أمسك سهي الذي بخيبر” وعاد كعب وقد فرح بعفو الله ورحمته ورضوانه، وكان له هذا فرجا بعد الشدة، أي أن الله فرج كربته بعدما اشتدت عليه الضوائق، ومن هنا يقول الإمام الشافعي ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج وقال ابن عباس رضي الله عنهما “لن يغلب عسر يسرين” وقال الله تعالي ” إن مع العسر يسرا”
وهذا هو تفسير قول ابن عباس لن يغلب عسر يسرين، وهو قد ذكر في الآية العسر مرتين وذكر اليسر مرتين، فيقول تعالي ” فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” وهكذا فإن من ثمار الصدق هو التوفيق للخاتمة الحسنة، والصادقون يجدون ثمرة صدقهم يوم القيامة إذا أحلهم الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.