حين يبكي أطفال تل أبيب.. أين كانت دموعكم يوم بكى محمد الدرة؟
بقلم احمد الشبيتى
في هذه الأيام، تُنقل إلينا الكاميرات صورًا من قلب تل أبيب: أمهات يصرخن، وآباء يحتضنون أبناءهم، وأطفال يرتجفون داخل الملاجئ من صوت الانفجارات، في مشهد إنساني لا يُنكر أحد قسوته أو هول معايشته. ولكن، دعونا نسأل السؤال الأخلاقي والسياسي الأهم: أين كانت هذه المشاعر يوم صرخ أطفال غزة؟ وأين كانت دموعكم يوم بكى محمد الدرة؟
الإنسانية لا تُجزأ
لا يمكن أن تكون الإنسانية صالحة لتل أبيب ومُعطلة لغزة، ولا يمكن أن تشتعل مشاعر التعاطف فقط حين يُصاب طفل إسرائيلي، وتخبو حين يُقتل آلاف من أطفال فلسطين، بلا مأوى، بلا علاج، بلا حضن دافئ ولا عدسات منصفة.
عقود من الاحتلال لم تكن سوى مسلسل طويل من الرعب اليومي لأطفال غزة، ممن لم يعرفوا في حياتهم سوى صوت القنابل، ولم يروا من العالم سوى الصمت. الطفل الفلسطيني لا ينام من ضوء القنابل، ولا يحتمي بملاجئ محصنة، بل يموت تحت ركام بيته الذي قُصف دون إنذار.
تل أبيب تحت النار.. فهل تتذكرون؟
اليوم، حين تشتعل النيران في تل أبيب، ويُشاهد العالم صور الذعر في عيون الأطفال الإسرائيليين، يجب أن يتذكر العالم أيضًا أن هؤلاء ليسوا أول الضحايا، بل هم يعيشون الآن جزءًا بسيطًا مما عاشه أطفال غزة لسنوات طويلة.
الطفل محمد الدرة ليس مشهدًا من الماضي، بل رمزٌ لكل طفل فلسطيني كان هدفًا لقناص، أو ضحية لغارة، أو شهيدًا لصمت العالم.
ازدواجية المعايير.. وفضيحة الضمير
ما نراه اليوم من تغطية إعلامية مكثفة لمعاناة أطفال تل أبيب، يقابله تجاهلٌ مقصودٌ لمعاناة الفلسطينيين. وكأن الطفل الفلسطيني لا يُعَدُّ طفلًا في قاموس الإعلام الغربي، أو كأن وجعه لا يصلح ليكون عنوانًا لخبرٍ عاجلٍ أو تقريرٍ إنسانيٍّ مؤثر.
هذه الازدواجية هي من تُغذي الغضب، وهي ما تفقد الضمير العالمي مصداقيته، وتُثبت أن العدالة حين تُسيّس، تتحول إلى سلاح يُستخدم فقط في الاتجاه الذي يخدم القوة والهيمنة.
كلمة أخيرة
نحن لا نتشفى في صرخات الأطفال، ولا نفرح في آلام الآباء، ولكننا نطلب العدل، نطلب الاعتراف، نطلب الضمير، نطلب أن تكون دموع الطفل الفلسطيني مساوية لدموع أي طفل آخر، وأن يكون كل ضحايا الحرب أبرياء، لا تُفرّق بينهم جغرافيا ولا ديانة ولا جنسية.
حين يبكي طفل في تل أبيب.. تذكّروا محمد الدرة، وتذكّروا كل أطفال غزة الذين لم تجد دموعهم طريقًا إلى نشرات الأخبار ولا إلى قلوب المتعاطفين الموسميين.