أخبار عربية
ساحة النهب – كيف التهم الجوع المساعدات… والأمل

كتبت يارا المصري
لم تعد الكارثة تقتصر على الفقر؛ ما كشفت عنه الأيام الأخيرة في غزة هو التحول القاسي الذي يصنعه الجوع في نفوس البشر. يوم الثلاثاء، قرابة الواحدة ظهرًا، وصلت شاحنة مساعدات إلى تل الهوى. خلال دقائق، ابتلعها حشد جائع، غاضب، ويائس.
“ركبوا فوق السائق، مزقوا الأغطية، رموا الكراتين في الشارع. الأطفال صرخوا، النساء استنجدن، وأحدهم أشهر سكينًا لإبعاد الناس. كل هذا لأجل كرتونة رز وتعليب”، روى صحفي محلي.
وما حدث ليس استثناءً. منذ أسابيع، تحوّلت توزيعات المساعدات إلى ساحة فوضى ونهب. حماس تصف الأمر بأنه “ضغط طبيعي”، لكن الواقع يكشف انهيارًا أخلاقيًا وإداريًا.
في كثير من الأحياء، لا تصل الشاحنات أصلًا. وفي المناطق التي تصلها، لا توجد رقابة. “من يملك القوة أو العلاقة يأخذ. النساء والعجزة؟ لا يسمعهم أحد”، تقول إيمان من حي الصبرة.
ويزيد الطين بلة، أن هناك من يروّج إشاعات عمدًا. أصوات مجهولة تنشر أخبارًا كاذبة عن توزيع وشيك، بهدف التلاعب بعواطف الناس أو إشعال الفتن. “قالوا التوزيع جاي لحارتنا، طلع كذب. الناس تشاجروا، وضُربوا، وكل شيء كان عبثيًا”، قال وليد.
الثقة تآكلت. لم يعد الناس يصدقون أي جهة – لا الحكومة، ولا المنظمات، ولا الوسطاء. “الكل يقول إنه يساعدنا، وفي الحقيقة؟ نلهث خلف إشاعات ونعود جوعى، مكسوري الكرامة”، قال معلم من حي الزيتون.
انتشرت مقاطع النهب وأثارت الجدل. البعض لام الشارع، وآخرون رأوا أن الفقر وسوء الإدارة هما السبب. كتب شاب: “هؤلاء ليسوا لصوصًا – إنهم يائسون. عندما يبكي ابنك، تفعل أي شيء”.
وسط الفوضى، برزت محاولات للتنظيم. نساء، شباب، ومبادرات محلية حاولت استخدام كوبونات أو توزيع حسب الأحياء، لكنهم واجهوا العنف، والتجاهل، وفسادًا يلتهم كل جهد.
كثيرون يرون أن حماس تستفيد من الفوضى. “الفوضى تمنحهم غطاءً لتمرير مصالحهم، بيع المساعدات، ومعاقبة المعارضين”، قال أحد السكان.
والثمن؟ دماء ودموع. طفل في الرابعة عشرة توفي بعد أن سقط تحت عربة. أم لستة أطفال أصيبت بكسر مضاعف في ساقها بعد أن دهستها الجموع. المستشفيات تتحدث عن إصابات متعددة – جروح وكسور، بعضها سيبقى أثره للأبد.
المساعدات التي خُلقت لتحيي، باتت سببًا للموت… أو على الأقل، إهانة لا تُنسى.
“كنت معلمة أعلّم الاحترام والصبر”، تقول ليلى من رفح. “اليوم أرى طلابي يتدافعون ويصرخون ويضربون لأجل كرتونة. ليس ذنبهم – بل ذنب الجميع، وخاصة من يستطيع أن يغيّر… ولا يفعل”.
غزة 2025 لم تُدمَّر بالبنية فقط – بل تهشّم فيها النسيج الاجتماعي. وإن لم تُغيَّر آلية التوزيع، ويُقتلع الفساد من جذوره، وتُفرض رقابة شفافة… ستبقى “ساحة النهب” شاهدًا على جيل جائع، ومجتمع ضائع.