الحمد لله رب العالمين الذي هدي إلى الإحسان وجعل كتابه دليلا لأهل الإيمان والصلاة والسلام على من زانه ربه بالقرآن وحباه بليلة القدر في رمضان وعلى آله وصحبه سادة الأزمان وعلى من تبعهم من أهل الحق والعرفان أما بعد يا لفرحة المسلمين بتلك الأيام العشر المباركة التي تتكرر عليهم في كل عام فيحبونها بأرواحهم وأنفسهم، فيا أخي الكريم أليس من النعمة أن تمر بالإنسان في كل عام أيام يحيا فيها مع نفسه حياة تختلف عن تلك الأيام التي تعودها في بقية أيامه ؟ ونحن نعيس في ليلة من ليالي العشر الآواخر من شهر رمضان المبارك وجب علينا الجد والإجتهاد كما كان يصنع النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم وإن مما كان يفعله النبي صلي الله عليه وسلم في هذه العشر هو الإعتكاف في مسجده ومعني الإعتكاف هو قطع العلائق عن الخلائق للإتصال بخدمة الخالق العظيم.
وكلما قويت المعرفة بالله تعالي، والمحبة له سبحانه، والأنس به أورثت صاحبها الإنقطاع إلى الله سبحانه وتعالى بالكلية على كل حال، وكان بعضهم لا يزال منفردا في بيته، خاليا بربه، فقيل له أما تستوحش؟ قال كيف أستوحش وهو يقول أنا جليس من ذكرني” ومن مقاصد الإعتكاف هو تحصيل ليلة القدر، والتفرغ في ليلتها للطاعات فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إعتكف العشر الأول من رمضان، ثم إعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير، قال فأخذ الحصير بيده فنحّاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس فدنوا منه، فقال “إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة، ثم اعتكفت العشر الأوسط، ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف” فاعتكف الناس معه، قال.
” وإني أريتها ليلة وتر، وإني أسجد صبيحتها في طين وماء” فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلى الصبح، فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين والماء، فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة أنفه فيهما الطين والماء، وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر، والإعتكاف مسنون للرجال والنساء في مساجد الصلوات الخمس والجوامع فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم إعتكف أزواجه من بعده” فتعتكف المرأة في المسجد إذا لم يخشي عليها، وعلى المعتكف أن يرجح بين المصالح والمفاسد فمثلا من كان عنده أبوان يحتاجانه، أو كان له أولاد يحتاجون إلى رعاية ومتابعة على الصلاة وغيرها، فهذا يترك الإعتكاف.
فالإعتكاف أفضل من تركه غالبا في حق من ليس لديه أولاد كبار، فليستغل المرء هذه الفترة لأنه سيمر عليه وقت قد لا يتمكن من الاعتكاف، وكذلك كبار السن ممن استقل أولادهم عنهم، والاعتكاف مشروع في السنة كلها حيث قال ابن عبدالبر “أجمع العلماء على أن رمضان كله موضع للاعتكاف، وأن الدهر كله موضع للاعتكاف، إلا الأيام التي لا يجوز صيامها” بناء على الخلاف ولكن هل الصيام شرط لصحة الاعتكاف أو لا؟ إلا أنه في العشر الأواخر من رمضان آكد لأنه الذي استقر عمل النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ولما لم يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان قضاه في شوال، ومن إعتكف العشر الأواخر من رمضان يدخل قبل غروب شمس اليوم العشرين لأن العشر الأواخر من رمضان تبدأ بليلة إحدى وعشرين.