توزيع الأدوار والإختصاصات بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ذي الجلال والإكرام حي لا يموت قيوم لا ينام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الحليم العظيم الملك العلام، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله سيد الأنام والداعي إلى دار السلام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، ثم أما بعد، إن من الوسائل للهجرة المباركة هو توزيع الأدوار والإختصاصات وتوفير الأدوات حيث أن سياسة تحديد وتوزيع الإختصاصات والمسئوليات من الأشياء المهمة في أي خطة، فلم تكن الهجرة عملا عشوائيا، بل كانت خطة محكمة جدا وتنظيما دقيقا، وزّعت فيها الإختصاصات وحدّدت المسئوليات على هذا النحو رفيق الرحلة فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يرافق الرسول صلى الله عليه وسلم ويعاونه ويساعده ويشتري راحلتين، ورد الودائع والأمانات والتعمية على الكفار ويقوم به على رضي الله عنه.
وينام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم للتمويه ويرد الأمانات والودائع لأصحابها، ورجل المخابرات العامة ونقل المعلومات ويقوم به عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما، فلا يكفي أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم في الغار مدة معينة ثم ينطلق إلى المدينة حسب تقديره وظنه فلا بد من التعرف مباشرة على كل أسرار العدو مخططاته وتوقعاته بحيث تصل أول بأول إليه صلى الله عليه وسلم فيكون متابعة تنفيذ الخطة قائما على خبرة الواقع لا على الظن يخطئ ويصيب فكان عبدالله يسمع أخبار مكة نهارا ويقضي النهار معهم، ثم يأتي بالليل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الغار يبيت معهم، وقبل الفجر يذهب إلى مكة، وكأنه نائم في مكة، وكلما كانت القيادة أعلم بواقع العدو، وأدرى بأسراره، ولها في صفوفه من ينقل إليها كل تخطيطاته.
كلما كان ذلك أنجح لها في تنفيذ خططها ومخططاتها، وكما من الأدوار هو تأمين الزاد وتقوم به السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وكانت حامل في شهورها الأخيرة وكانت تصعد في الجبل اوعر الشامخ ذو الأحجار الكثيرة، وأيضا دور إخفاء أثر الأقدام ويقوم به عامر ابن فهيرة، حيث يقوم برعي الأغنام ليعفي أثر الأقدام، ونجحت هذه السياسة في إخفاء محاولة المشركين في العثور على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، ولقد اتبع النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم سياسة الإستعانة بالخبراء حتى ولو كانوا من غير المسلمين، ولقد إستعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط الليثي، ليدله على أفضل الطرق الخفية إلى المدينة بإعتباره من الخبراء في ذلك، وتقول كتب السيرة.
“لقد استأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر رضي الله عنه، عبد الله بن أريقط الليثي الكافر، وكان هاديا ماهرا بالطريق وأَمناه على ذلك، وسلما إليه الراحلتين، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، وجاءهما عبد الله في المكان والميعاد المتفق عليه، ولقد استنبط فقهاء الإسلام أنه يجوز الإستعانة بغير المسلم عند الضرورة متى كان خبيرا وأمينا، ولقد كان توزيع الأدوار توزيع دقيق للمسئوليات في إطار سياسة رشيدة وخطة محكمة، ولذلك تحققت المقاصد والأهداف بدون إرتباك أو خلل، وهذا ما يجب الإستفادة منه في إدارة شئون حياتنا كلها وفي دعوتنا الإسلامية، هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.