
أميركا ليست في أزهى عصورها
كتب / يوسف المقوسي
فشلت حرب أميركا ضد العراق. هذه الحرب التي مارس فيها جنود أميركا وضباطها أبشع أعمال العنف والتعذيب والتخريب والانتقام، مارسوها بشهادات المخضرمين منهم وإفادات أهل العراق. حرب لم يتحقق بعد علماء السياسة الأميركيون قبل غيرهم من الأجانب من السبب الذي دفع رئيسا غير متوازن دينيا وعقليا وتنقصه تجارب حياة لشنها. لم تكن هناك في العراق أسلحة دمار شامل. لعل السبب كان حاجة جهاز أميركي معين لتغيير نسب الوضع الطائفي في البلاد، أو لعله كان التحقق من صلاحية فكرة الهدم البناء، وكانت ما تزال في بدايات بحثها للتأكد من جدواها. ولعل السبب كان رغبة مجموعة من الصهيونيين العتاة في البنتاجون وخارجه ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر دونالد رامسفيلد الذي كان وزيرا للدفاع في عهد الرئيس جورج بوش وجون بولتون مستشار الأمن القومي في عهد دونالد ترامب ورتشارد بيرل الملقب بأمير الظلام. ولعل السبب كان الانتقام العاجل لمؤامرة تفجير طائرات مدنية ببرجي التجارة العالمي في نيويورك وقصف البنتاجون في واشنطن وهي المؤامرة التي هزت ثقة الأمة الأميركية في كفاءة مؤسساتها الأمنية. وهو في الوقت نفسه السبب المعلن على الأقل لغزو أفغانستان، وهو الغزو الذي نحن وغيرنا بصدد التفكير في أبعاده المستقبلية وما إذا كان أحد أبعاد هذا الفشل الاقتراب من لحظة نهاية الحلم أو الوهم الأميركي.
يسأل الناس الأقرب إلى السياسة من غيرهم، يسألون إن كانت الحرب في أفغانستان بتكلفتها الباهظة وحصيلتها الجوفاء ونهايتها البشعة آخر حروب الأميركان. أم أنهم أي الأميركيون يسعون جديا وبحماسة وبتحشيد الأنصار وإغراء تجار الحروب والمستفيدين منها، يسعون جديا نحو حرب عالمية تملأ الفراغ الذي خلفته الحرب العالمية ضد الإرهاب. اللافت هنا أن بايدن صاحب الحملة الداعية إلى إنهاء الحرب العالمية ضد الإرهاب هو الرئيس ذاته الذي يصرخ في النفير يوميا داعيا ما تبقى له من حلفاء في الغرب وأغراب في جنوب شرقي آسيا بالإضافة إلى أستراليا واليابان والهند، داعيا إياهم إلى حرب عالمية ضد الصين. تأتينا الإجابة حاسمة وغير مترددة على لسان الرئيس بايدن ممثل المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة: لن تكون أفغانستان آخر حروب أميركا، ولن تكون الحرب العالمية ضد الإرهاب آخر الحروب العالمية.
أميركا ما بعد أفغانستان قوة دولية كبيرة وليست قوة عظمى ولا تقود. لا تقود ليس لأنها لا تريد أن تقود ولكن لأن القوى الدولية الأخرى لا تريد أن تقودها أميركا. إنجلترا مثلا أعلنت على لسان وزير دفاعها أنها لن تعتمد في أمنها مستقبلا على الولايات المتحدة. فرنسا وغيرها في الاتحاد الأوروبي عاقدة العزم على إنشاء قوة دفاع أوروبية مستقلة عن حلف الأطلسي الذي كانت تقوده بدون نجاح عسكري يذكر الولايات المتحدة الأميركية. أظن أن تايوان سوف تعيد ترتيب أوراقها، لن تضع كل أوراقها في السلة الأميركية اليابانية، وكذلك دول في منظمة الآسيان وفي شرق أوروبا وشمال وسط آسيا.
في الوقت نفسه، أظن أن دولا قليلة جدا في الشرق الأوسط سوف تحاول على ضوء نتائج الحرب الروسية الأوكرانية إعادة ترتيب أوراقها وتحالفاتها ودوافع ظني ليست خافية .