
الدكروري يكتب عن الوفاء بالعهد والميثاق ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الوفاء بالعهد والميثاق دليل عظيم على سماحة الإسلام، وما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما عقد معاهدة صلح الحديبية بينه وبين مشركي قريش، والتزم فيها صلى الله عليه وسلم بالشروط التي كتبت فيها، ووفى بها، فلم يدخل مكةَ ورجع إلى المدينة حتى خالف هؤلاء المشركون تلك المعاهدة، فنقضت وهذا أكبر دليل على وجوب الوفاء بالعهود، وكذلك حينما عاهد النبى صلى الله عليه وسلم اليهود، وأمنهم على أنفسهم وأهليهم وأموالهم مقابل جزية يدفعونها للمسلمين، ولم ينقض تلك المعاهدة حتى جاء الغدر منهم والخيانة ونقض الميثاق، فاحرصوا على الوفاء، ففيه سلامة القلب والنماء، وهو عنوان الظفر والفلاح في الدنيا والآخرة، ومَن أوفى من رسول الله بوعده؟ وقد خلفه أصحابه في هذا، ولقد أخبر جابر بن عبدالله أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له.
“لو قد جاء مال البحرين، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، فلم يجئ مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء أبا بكر مال البحرين، فقال أبو بكر مَن كان له على رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين، فليأتنا، قال جابر، فقلت وعدني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا فبسط يديه ثلاث مرات قال جابر فعدّ في يدي خمسمائة، ثم خمسمائة، ثم خمسمائة” رواه البخاري ومسلم، فعلى المسلِمين أن يلتزموا بما وعدوا، وأن يتمثلوا أخلاق الإسلام وما دعا إليه، فقال صلى الله عليه وسلم ” آية المنافق ثلاث إذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا حدث كذب” رواه مسلم فكم من الناس من يعيب على المسلمين في هذا الزمان عدم التزامهم بالوعود، وإخلالهم بها، فلا يفي مقترض بما وعد من رد الدين، ولا يفي صانع بما وعد من إنجاز عمله، ولا يفي رجل بما وعد من زمن للحضور.
فلا يحضر إلا متأخرا، حتى صار هذا الخلف بالوعد سمة في كثير من مسلمي اليوم، ويحصيه عليه أعداؤهم، ويعده الجهال من صفات المسلمين، وما هو من صفاتهم، إنما هو خصلة من خصال المنافقين، والمسلم الملتزم بريء من إخلاف الوعد، فإن الوفاء بمعناه الشامل من أخلاق الإسلام الضائعة، التي تهاون بها الكثير من المسلمين، إلا من عصمه الله تعالى، فعن ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها استدانت، فقيل لها يا أم المؤمنين، تستدينين وليس عندك وفاء؟ قالت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “مَن أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه، أعانه الله عز وجل” رواه النسائى، وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول “من ادان دَينا ينوي قضاءه، أدى الله عنه يوم القيامة” فنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم هو القدوة في الوفاء.
فعن حذيفة بن اليمان، قال ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل، فأخذنا كفار قريش، قالوا إنكم تريدون محمدا، فقلنا ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه الخبر، فقال “انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم” رواه مسلم، وعن أبي رافع قال بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألقى في قلبي الإسلام، فقلت يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إني لا أَخيس” أي أنقض بالعهد، ولا أحبس البُرد” أى حامل الرسالة، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن، فارجع ” قال فذهبت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت” رواه ابى داود.
وعن أبي هريرة رضى الله عنه، قال كنت مع علي بن أبي طالب حين “بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة” فقال ما كنتم تنادون؟ قال كنا ننادي أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فإن أجله أو أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك، قال فكنت أنادي حتى صَحل أي غلظ صوتي” رواه أحمد، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة، فيقول “إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد” رواه البخاري.