مقال

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 10″

جربدة الاضواء

الدكروري يكتب عن هيا نودع رمضان ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء العاشر مع هيا نودع رمضان، والذي تشاغل عن لقائك، وقصر فى وصالك، يتألم لغفلته عنك، وتقصيره معك، وخسارته فيك ولكننا نسأل المولى الأجل أن يعيدك علينا أعواما عديدة، وأزمنة مديدة، وأن يعفو عن التقصير، ويتجاوز عن الزلل، فيا أيها الحبيب الراحل لقد عشنا فيك دقائق جميلة، وساعات بديعة، ومشاعر عجيبة لقد كنا نشعر أننا انتقلنا من الكوكب الأرضى إلى عالم علوى ندى، كنا نشعر بالرحمة تهبط علينا، والسكينة تحفنا، والعناية تحوطنا، والولاية تحرسنا، وكأنها الملائكة تصافحنا في الطرقات، القلوب غير القلوب، والأنفس غير الأنفس، والأخلاق غير الأخلاق، وإن هذا كله مع شدة تقصيرنا معك، وتضييعنا لحقوقك، ومخالفتنا لقوانينك فكيف لو أخلصنا في الحب، وصدقنا في الود، والتزمنا بالعهد؟ واحسرتاه على أوقات ضاعت، وليال مرت، لم تكن في رحاب الحبيب، فماذا جناه النائمون من نومهم؟

 

والمفرطون من تفريطهم؟ واللاهون من لهوهم؟ واللاعبون من لعبهم؟ فئام هائمة، وأنوف راغمة، وجهود خاسرة، تلك التي لم تتذوق حلاوة الصيام، وروعة القيام، ولذة القرآن، فيا شهر رمضان لو نضمن لقاءنا بك مرة أخرى لهوّنا على أنفسنا، وطيبنا خواطرنا، وأبردنا حرارة أشواقنا، وعللنا الأنفس بحلاوة اللقاء بعد مرارة الفراق، مَن لم يذق مرارة الفراق لم يدر ما حلاوة التلاقى، لكن الخوف أن يكون وداعنا لك وداعا لا لقاء بعده، فكم رأينا من مُحب لك، متمن للقائك، طامع في وصالك، حال بينه وبينك الموت، ومنعه من لقائك الردى، فإن الموت لا يرحم عشاقك، ولا يراعي خلانك، يخطفهم قبل أن يروك، بل قد ينتشلهم من أحضانك، ويفتك بهم على مائدتك، فيا أيها الصائمون أحسن الله عزاءكم في شهركم، وعظم الله أجركم، وجبر مصيبتكم، وعوضكم خيرا مما مضى لقد كانت لحظات عابرات.

 

وأياما معدودات، فكبروا الله على ما هداكم، واشكروه على ما آتاكم، واحمدوه على ما حباكم، ويا أيها الطائعون المغتنمون المبادرون يا بشرى لكم لقد سافر حبيبكم وهو عنكم راض، ولكم شاهد، وفيكم شافع، وبكم فخور، أيها المقصورن المفرطون المضيعون يا لعظم خسارتكم ويا لكبر مصيبتكم، فانظروا إلى جيرانكم وإخوانكم وزملائكم الذين اجتهدوا، انظروا إلى سرور نفوسهم، ووضاءة وجوههم، وانشراح صدورهم، وفرحهم بما نالوا ثم انظروا بماذا عُدتم أنتم، وماذا كسبتم؟ ذهب عنهم التعب وبقيت لهم حلاوة الطاعة، وأجر العبادة، وأنتم ذهبت عنكم حلاوة المعصية، وبقيت لكم تبعة الذنب، وجريمة التفريط، وقائمة السيئات، فهم جمعوا الحسنات، وكنزوا الطيبات، وسيقال لكم ولهم ذوقوا ما كنزتم لأنفسكم، ولكن المنادى يناديكم أن الحقوا بالركب، وتشبثوا بالحبل، وسارعوا بالندم، وقدموا الاعتذار، وبادروا بالتوبة.

 

ولا تقنطوا من رحمة الله، فبادروا بالتوبة مع ختام الشهر فإن الأعمال بالخواتيم، وتداركوا أنفسكم طالما أن في العمر بقية، وفي الزمن فسحة، والمعبود كريم، والمقصود رحيم، فبادروا بالتودد للخالق، والتذلل للعظيم، والانطراح على أعتاب الكريم اغسلوا لوثات القلوب بماء الدموع، وحرقة الندم، وزلال التوبة فإن مَن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا تقطع قلبه في الآخرة إذا حقت الحقائق، وظهرت الوثائق، وحضرت الخلائق، وتقطعت العلائق، فإن كل بنى آدم خطاء، ولكن خير الخطائين التوابون وإن الأعمال الجليلة، والمواسم العظيمة، تختم بالاستغفار، والتوبة للقهار، فهو سبحانه المنادى كما جاء فى سورة طه ” وإنى الغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى” وهو سبحانه المنادى “يا عبادى إنكم تخطؤون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم” رواه مسلم.

 

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة” رواه مسلم، ويقول أيضا “إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها” رواه مسلم، ولقد كان الناس في رمضان على ثلاثة أقسام، قسم ظالم لنفسه لم يصم شهر رمضان صوما حقيقيا، فلم يحفظ حدوده ولم يتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ , فلم يصم لسانه عن اللغو والبهتان, ولم يصم سمعه عن سماع الباطل والخنا وكل ما يغضب الرحمن, ولم تصم عيناه عن النظر المحرم الغفلان، ولم تصم بطنه عن أكل الحرام, ولا يداه وقدماه عن الفحش والبهتان, فهذا كان حظه من صومه العطش والجوع وتحصيل الذل والخنوع, فهؤلاء لم يأخذوا من الإسلام إلا اسمه ولا من الإيمان إلا رسمه, فهم قد وقفوا عند مرتبة الإسلام ولم يتجاوزها بعد إلى مرتبة الإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى