مقال

الدكروري يكتب عن محاسبة النفس في رمضان” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن محاسبة النفس في رمضان” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الخامس مع محاسبة النفس في رمضان، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدى بصاحبه إلى الإفلاس والهلاك، لذلك كان الصيام تدريبا عمليا للعبد على ممارسة عبادة ” أمسك عليك لسانك” وامتلاك القدرة على التحكم فيه، وتوظيفه فى الخير، فالقلب السليم هو العملة الرابحة التي تنفع صاحبها يوم القيامة وتنقذه من عذاب الله، قال تعالى ” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم” والقلب المريض، هو ذاك القلب الأسود المظلم بأمراض الحقد والبغضاء والكراهية والحسد والكبر والاستعلاء على الناس وظلمهم، فمعركة الانتصار على أمراض القلوب، معركة فاصلة في تحديد قيمة العبد ومقامه عند مولاه، وما تفاضل من تفاضل من الصالحين إلا بذلك، لذا أحرى بالعبد المؤمن أن لا يتهاون في تطهير قلبه، فسيد القوم من لا يحمل في قلبه لا حقدا ولا غلا ولا حسدا ولا كراهية لإخوانه في الدنيا.

 

فما بالكم في الآخرة التى قال الله عز وجل في حق أهل جنته ” ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين” وشهر الصيام فرصة ذهبية لتنظيف وتطهير القلوب والتخلص من الأمراض والانتصار عليها، لأنه متى صلح القلب انفتح باب الإصلاح العام، فقال صلى الله عليه وسلم ” أَلا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” وإن من العوائق كذلك الرياء، فالرياء يحبط الأعمال ويُبطلها، فقال الله تعالى فى سورة الفرقان ” وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا” فالرياء سبب لمقت الله تعالى للعبد وطرده من رحمته، وهو من كبائر المهلكات، وقد عده النبى صلى الله عليه وسلم شركا أصغر، ففي الحديث الصحيح، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، الرياء”

 

يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم، اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء” وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” من قام مقام رياء وسمعة راءى الله به يوم القيامة وسمّع” فجدير بالمسلم أن يجاهد نفسه بالابتعاد عن الرياء، وأن يخلص لله في نيته وأقواله وأفعاله وأموره كلها، ورمضان هو شهر الإخلاص بلا منازع، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعى الرياء وأسبابِه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه، وإن من العوائق أيضا هو الشح والبخل، ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الداء العضال وعده من المهلكات، فقال ” إياكم والشح فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا وأمرهم بالفجور ففجروا” فتطهير النفس من داء الشح والبخل، من مقاصد الصيام المهمة.

 

لذلك كان رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أجود الناسِ، وكان أجود ما يكون فى شهر رمضان، فهو أجود بالخير من الريح المرسلة، فالصيام مدرسة يتعود فيها العبد على السخاء، وإطلاق اليد بالعطاء، عطاء صادقا لا يحده حد، ولا يقيده شرط، عطاء لمن يحب ومن لا يحب، فقال الله تعالى فى سورة التغابن ” وانفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” ففيه يتعمق لدى المسلم الشعور بمعاناة المحرومين والمحتاجين، فيترفع على أنانيته وحبه لذاته، فيأخذ بأيديهم ويسد حاجاتهم، ويدخل الأمل والفرح على قلوبهم، وإن تحقيق الانتصار فى هذا الجانب هو هدف العبد الصائم فى شهر السخاء والجود، والهزيمة فى هذه المعركة أدعى لتوالي الهزائم فيما عداها، فلنجعل معاشر الصالحين والصالحات هذا الشهر شهر انتصار على هوى النفس وشهواتها.

 

وعلى آفات اللسان وأمراض القلوب والرياء والبخل، ولنجعله شهر انتصار على العجز والكسل والغفلة، ولنجعله شهر انتصار على تسويف التوبة، ولنجعله شهر انتصار على الذنوب والمعاصى بكل أصنافها، فعندها نصل إلى ما وصل إليه الأولون، ونحقق مثل انتصاراتهم وأمجادهم، فإن الأمة تعيش ظرفا من الظروف الصعبة، وهي بأمس الحاجة لقوة شخصية أبنائها، هذه الشخصية التى هى من عناصر فرض وجودها بين الأمم يجب أن تكون قوية ومميزة، وكل أمة اليوم تعمل جاهدة على إثبات وجودها، فإن من العوامل اليوم التي تمتحن فيها شخصية كل أمة، قوةَ أبنائها فى الخطاب والحوار والجدال، وكل حوار يدور اليوم فى جميع ميادين الحياة دون استثناء يعود إما بالسلب أو الإيجاب على الأمة أو الدولة التى ينتمى إليها المحاور، لذلك يجب أن نأخذ هذا الأمر بالجدية، فهو من عوامل النصر أو الهزيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى