مقال

الدكروري يكتب عن مقدار يوم القيامة ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن مقدار يوم القيامة ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إنه الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات ومن تأمل في الموت علم أنه أمر كبّار، وكأس تدار على من أقام أو سار، يخرج به العباد من الدنيا إلى جنة أو نار، ولو لم يكن في الموت إلا الإعدام، وانحلال الأجسام، ونسيان أجمل الليالي والأيام، لكان والله لأهل اللذات مكدرا، ولأصحاب النعيم مغيرا، وليست المشكلة في الموت، فالموت باب وكل الناس داخله، لكن المشكلة الكبرى والداهية العظمى، ما الذي يكون بعد الموت؟
أفي “جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر” أم في “ضلال وسعر، يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسَّ سقر” ولأجل ذلك فالصالحون يشتاقون إلى لقاء ربهم، ويعدون الموت جسرا يعبرون عليه إلى الآخرة، وإن الموت هو أعظم تحدي، تحدى به الله عز وجل الناس أجمعين منهم الملوك والأمراء، والحُجاب والوزراء، والشرفاء والوضعاء.

والأغنياء والفقراء، فإن كلهم عجزوا أن يثبتوا أمام هذا التحدي الإلهي وسبحانه وتعالي القائل ” قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين” فأين الجنود ؟ وأين الملك ؟ وأين الجاه ؟ وأين الأكاسرة ؟ وأين القياصرة ؟ وأين الزعماء ؟ فقد أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا، وصار ما كان من مُلك ومن مَلك كما حكى عن خيال الطيف وسنان، وقيل أنه مرض أبو بكرة رضي الله عنه واشتد مرضه، فعرض عليه أبناؤه أن يأتوه بطبيب له فأبى، فلما نزل به الموت صرخ بأبنائه وقال أين طبيبكم ؟ ليرّدها إن كان صادقا، ووالله لو جاءه أطباء الدنيا، ما ردوا روحه إليه، فسبحان الله العظيم القائل في محكم التنزيل “فلولا إذا بلغت الحلقوم، وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين، ترجعونها إن كنتم صادقين، فأما إن كان من المقربين، فروح وريحان وجنة نعيم، وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك من أصحاب اليمين، وأما إن كان من المكذبين الضالين، فنزل من حميم، وتصلية جحيم، إن، هذا لهو حق اليقين، فسبح باسم ربك العظيم”

وإن عالم البرزخ والحياة البرزخية هو الذي يدخله الناس بعد أن يتركوا عالم الدنيا فيدخلوا إلى هذا العالم بعد الموت، ولكن الإنسان وهو في هذه السكرات، وفي هذه الكربات، وبين هذا الغم والهم، ينظر فجأة فيرى ملائكة من بعيد تقترب، يا ترى أهذه الملائكة التي أراها هي ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ ويا ترى هذا الذي جلس عند رأسي ملك الموت ينتظر الأجل أن يوفى من الله كما قدر الله عز وجل وهل سينادي على روحي ويقول يا أيتها الروح الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راض غير غضبان، أم سينادي ويقول يا أيتها الروح الخبيثة أخرجي إلى سخط الله وعذابه؟ ويا ترى هل ستكون حفرتي روضة من رياض الجنة أم ستكون حفرة من حفر النيران؟ وبين حزن شديد على ما فات، وبين غم شديد لأنه لا يدري ما الذي سيلاقيه.

ما الذي سيكون بين يديه، فإنه ينظر إلى أولاده وإلى أحبابه وإلى أهله الذين التفوا من حوله يبكون، فينظر إليهم حينما يفيق بين السكرات والكربات نظرة كلها استعطاف، نظرة كلها شفقة، نظرة كلها رجاء، نظرة كلها رحمة، نظرة كلها سؤال، ويقول لهم يا أولادي، يا أحبابي فدوني بأعماركم، لا تتركوني وحدي، ولا تفردوني في لحدي، من منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين، أنا صاحب الأموال، أنا الذي بنيت الدور، وأنا الذي بنيت القصور، وأنا الذي جمعت المال، وأنا الذي جهدت واجتهدت، فافدوني بأعماركم، زيدوا في عمري ساعة أو ساعتين، أريد أن أستمتع بالأموال، أريد أن أستمتع بالسيارات، أريد أن أستمتع بالعمارات، ولكنه في واد والناس في واد آخر، حيث لا تستطيع قوة على ظهر الأرض أن تحول بينك وبين هذه الحقيقة مهما كان جاهك، ومهما كان منصبك.

ومهما كانت قوتك، لا يمكن بأي حال، فيقول تعالي ” ولو كنتم في بروج مشيدة” لأن الذي أصدر الأوامر لملك الموت هو من يقول للشيء كن فيكون، إنه الله رب العالمين، فيا أيها الغافلون ويا أيها اللاهون ويا أيها الساهون ويا أيها المذنبون ويا أيها الظالمون ويا أيها المقصرون اعلموا أنكم راحلون إلى الله جل وعلا، واعلموا أنكم ستقفون بين يدي الله جل وعلا، فيحاسبكم عن القليل والكثير، وعن النقير والقطمير، وعن الصغير والكبير، فسبحانه وتعالي القائل ” فمن يعمل مثقال ذرة خير يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” وقيل أنه لما احتضر هارون الرشيد ونام على فراش الموت طلب أن يرى كفنه، ونظر إلى كفنه بعينيه قبل أن يموت، وبكى وبكى وبكى، ثم قال ما أغنى عني مايه، هلك عني سلطانية” أين المال؟ وأين منصبي؟ وأين جاهي وأين سلطاني؟ وأين مرءوسي؟ وأين خدمي وأين حشمي؟ وأين عماراتي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى