مقال

فرس سراقة والعنكبوت

جريدة الأضواء المصرية

فرس سراقة والعنكبوت
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 14 أغسطس 2024
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، إن من معاني الهجرة النبوية الشريفة هو وجوب هجرة القلب إلى الله بمحبته وعبوديته، والتوكل عليه وهجر ما يكرهه وفعل ما يحبه وهناك هجرة القلب والبدن للسيئات والمعاصي فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعا ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ” وروى البخاري تعليقا وابن حبان عنه أيضا “المهاجر من هجر السيئات” ومن دروس الهجرة هو أن رابطة العقيدة هي الرابطة التي الحقيقية بين المؤمنين، حيث تتضاءل أمامها الإنتماءات القومية والقبلية والعلاقات الحزبية.

فعندما قدم النبي المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، وقضى على العداوة التي كانت مستحكمة بين الأوس والخزرج فانصهر الجميع في بوتقة الإيمان وذابت بينهم العداوات والإحن وتلاشت العصبيات والأعراق، ولقد أذن الله تعالى لنبيه وأصحابه بالهجرة لما ضاقت عليهم الأرض ومنعتهم قريش من إقامة دين الله تعالي وإن الهجرة بالمعنى الشرعي ليست مجرد الانتقال من بلد إلى آخر فحسب بل هي هجرة عامة عن كل ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم حتى يكون الدين كله لله تعالي فهي هجرة من الذنوب والسيئات وهجرة من الشهوات والشبهات وهجرة من مجالس المنكرات وهجرة من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، وكما أن من دروس الهجرة النبوية المشرفة هو الصبر واليقين طريق النصر والتمكين.

فبعد سنوات من الإضطهاد والإبتلاء قضاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة يهيأ الله تعالى لهم طيبة الطيبة ويقذف الإيمان في قلوب الأنصار، ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين، وإن طريق الدعوة إلى الله شاق محفوف بالمكاره والأذى لكن من صبر ظفر ومن ثبت انتصر فيقول تعالي “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون” وكما أن من دروس الهجرة النبوية المشرفة هو درس في التوكل على الله والاعتصام بحبل الله، فلقد كانت رحلة الهجرة مغامرة محفوفة بالمخاطر التي تطير لها الرؤوس، فالسيوف تحاصر النبي صلي الله عليه وسلم في بيته وليس بينه وبينها إلا الباب، والمطاردون يقفون أمامه على مدخل الغار وسراقة الفارس المدجج بالسلاح يدنو منه حتى يسمع قراءته.

والرسول صلى الله عليه وسلم في ظل هذه الظروف العصيبة متوكل على ربه واثق من نصره، فمهما اشتدت الكروب ومهما ادلهمت الخطوب يبقى المؤمن متوكلا على ربه واثقا بنصره لأوليائه، فالزم يديك بحبل الله معتصما فإنه الركن إن خانتك أركان، وكما أن من دروس الهجرة النبوية المشرفة هو درس في المعجزات الإلهية، فهل رأيتم رجلا أعزلا محاصرا يخرج إلى المجرمين ويخترق صفوفهم فلا يرونه ويذر التراب على رؤوسهم ويمضي وهل رأيتم عنكبوتا تنسج خيوطها على باب الغار في ساعات معدودة وهل رأيتم فريقا من المجرمين يصعدون الجبل ويقفون على الباب فلا يطأطيء أحدهم رأسه لينظر في الغار، وهل رأيتم فرس سراقة تمشي في أرض صلبه فتسيخ قدماها في الأرض.

وكأنما هي تسير في الطين وهل رأيتم شاة أم معبد الهزيلة يتفجر ضرعها باللبن، فإن هذه المعجزات لهي من أعظم دلائل قدرة الله تعالى وإذا أراد الله نصر المؤمنين خرق القوانين وقلب الموازين فيقول تعالي “إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى