نفحات إيمانية ومع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان ” جزء 1 “

نفحات إيمانية ومع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان ” جزء 1 ”
إن المعاصي سبب كل عناء، وطريق كل شقاء، ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها وأزالتها، وما أهلك الله سبحانه وتعالى، أمه إلا بذنب، وما نجى وما فاز من فاز إلا بتوبة وطاعة، وبالمعاصي تدور الدوائر، ففاضت أرواح في غزوات بسبب خطيئة، وقد خرج آدم من الجنة بمعصيته، وقد دخلت امرأة النار في هرة، فما الذي أهلك الأمم السابقة، وطمس الحضارات البائدة، سوى الذنوب والمعاصي، وإن المعصية عذاب، وإن المعصية وحشة، وإن المعصية حتى ولو كانت صغيرة مع الإصرار عليها تعمي البصيرة، وتسقط الكرامة، وتوجب القطيعة، وتمحق البركة، ما لم يتب العبد ويرجع خائفا وجلا.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء” رواه مسلم، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم، أمته من الاغترار بالدنيا، والحرص الشديد عليها في أكثر من موضع، وذلك لما لهذا الحرص من أثره السيئ على الأمة عامة، وعلى من يحملون لواء الدعوة خاصة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تسُبوا أَصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أَن أَحدكم أَنفق مثل أحُد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه” وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال.
كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبّه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تسُبوا أَحدا من أصحابي، فإن أحدكم لو أَنفق مثل أحُد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه” رواه البخارى ومسلم، وإن الحديث عن العظماء من العلماء ليس أمرا سهلا، فمهما اجتهدت لتستوعب حياة أحدهم فسيعجز قلمك، ويقصر علمك، ويضيق المقام بذكر مآثره وأفضاله، فهذا أحد ورثة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وأحد مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، فهذا جبل من جبال العلم، وقمة من قمم الإسلام السامقة، وهذا إمام ملئ الدنيا علما وفقها وورعا، فأعلى الله ذكره، ونشر علمه بين الناس، فصار علمه وذكره يتناقل عبر الأجيال.
حتى يومنا الحالي إلى ما شاء الله عز وجل، فهذا هو الإمام المقدم، والعلم البارز، والمصباح المنير، الإمام أبي حنيفة النعمان، والحديث عنه إنما هو من باب المحاولة لإبراز أهم ما في حياة هذا الإمام من محطات وإنجازات ليستفيد منها أبناء الإسلام، ويعرفوا القدوة الصحيحة في زمان انحرف فيها مفهوم القدوة، فصار بعض شبابنا يقتدون بالغرب وبما عنده من رموز وأسماء وشخصيات ربما كانت هابطة وفاشلة من مطربين أو ممثلين أو لاعبي كرة وغيرهم، ونريد من خلال سير هؤلاء العظماء من العلماء والفقهاء الأوائل إبراز القدوة المثلى تحفيزا لأبنائنا للاستفادة منها، وحتى ينأوا بأنفسهم عن الأمور الهزيلة الهابطة التي لا وزن لها في الحياة.
ولا قيمة لها في التاريخ، وإن الإسلام اهتم بالعقل اهتماما بالغا، وذلك لأن العقل مناط التكليف، كما أن حفظ العقل مقصد عظيم من مقاصد الشريعة الإسلامية، وأحد الكليات الست التي اتفقت كافة الشرائع والأديان على حفظها، وقد أرشدنا الله عز وجل إلى استخدام نعمة العقل في التفكر والتأمل في ظواهر الكون للوقوف على عظمته، كما أن المتتبع للبيان القرآني يلاحظ الحض على التعقل والتفكر بصيغ متعددة، وأن المتأمل في الشريعة الإسلامية، يجد أنها قد حثت العلماء على إعمال العقول بالاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية، بما ييسر للناس أمور حياتهم، وتنصلح به أحوال معاشهم ومعادهم، مع الحفاظ على ثوابت الشرع الشريف وعدم المساس بها.