في مشهد يتكرر في كثير من المناسبات الرسمية، نرى كبار المسؤولين وقد خُصّوا بسجاد صلاة مختلف، غالبًا فاخرًا، يُفرش لهم أمام عدسات الإعلام، ويُحاط بهالة من البروتوكولات، وكأن صلاة هؤلاء غير صلاة الناس، أو كأنهم أقرب إلى الله من البسطاء والعامة.
هنا، يقف المواطن البسيط ليسأل: هل أمرنا الإسلام بهذا؟ هل في سُنّة نبينا صلى الله عليه وسلم ما يبرر هذا التميز في مكان العبادة؟ وهل الصلاة على سجاد خاص تعني منزلة خاصة؟
طرحنا هذا السؤال على عدد من علماء الأزهر الشريف، وكانت إجاباتهم حاسمة وواضحة:
الصلاة لله، والميزان هو التقوى، لا البروتوكول.
ففي الإسلام، “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، وليس أغناكم أو أرفعكم منصبًا.
لم نر في سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم يومًا أنه ميّز نفسه بسجادة، أو خص أحد الصحابة بمكان خاص في الصف، بل كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويصلي حيث تدركه الصلاة، على التراب أو الحصير أو في جماعة مع الجميع.
بل إن من علامات عدل الإسلام، أن الصفوف في الصلاة تتساوى فيها الأكتاف، وتتلاشى فيها الفوارق الطبقية. لا يعلو فيها وزير على فقير، ولا أمير على عامل.
فهل عكسنا نحن الصورة؟
أليس من الأولى أن يكون المسؤول قدوة في البساطة، لا أن يظهر في الصلاة وكأنه “من فئة خاصة”؟
علماء الأزهر: لا خصوصية في الدين لمسؤول أو غني
– أكد أحد علماء الأزهر – أن ما يحدث من تخصيص سجادة فاخرة أو صف منفصل للمسؤولين أمرٌ لا أصل له في الشرع، بل هو مخالف لفكرة الجماعة والمساواة التي هي من جوهر الصلاة في الإسلام. وأضاف: “الصلاة لا تحتاج إلى مظاهر، بل إلى إخلاص وخشوع”.
وفي قول آخر لأحد، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أوضح أن “هذا التمييز يخالف هدي النبي، ويزرع التفرقة بين الناس، ويُفقد الصلاة روحها الجماعية والتربوية”.
صورة مؤلمة.. ورسالة مفقودة
الصلاة موقف من مواقف العبودية المطلقة لله، وأي مظهر يُشعر الناس بأن المسؤولين أعلى شأنًا حتى في حضرة الله، فهو مظهر مؤذٍ للدين قبل أن يكون مؤذٍ للمجتمع.
نحن لا نلوم المسؤول على الصلاة، بل نحييها، ولكن نرفض تحويل رمز الخشوع إلى عرضٍ للبروتوكول. نحتاج إلى أن نرى المسؤول يصلي مع الناس، وسطهم، على نفس الأرضية، بنفس السجادة، بنفس البساطة التي أمر بها النبي.
هل نراجع أنفسنا؟
في النهاية، دعوة صادقة إلى من يضع السجادة الخاصة: هل تفكر أنك بهذا أقرب إلى الله، أم أبعد عن الناس؟
فالدين لم يُكتب لكبار القوم، بل نزل رحمة للعالمين جميعًا.