الحمد لله السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ثم أما بعد إن من أمثلة بعض التكفيريين هو تعلقهم بظواهر نصوص أطلق فيها لفظ الكفر دون أن ينتبهوا لما يقتضيه مسلك أهل العلم المبني على إستقراء نصوص الكتاب والسنة كلها من التفريق بين الكفر العملي، والكفر الإعتقادي، فليس كل لفظ كفر يقصد به الكفر المخرج من الملة، فلو أخذنا مثلا قوله صلي الله عليه وسلم “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر” هل نحكم بكفر المسلم القاتل دون ملاحظة أن الله عز وجل سماه أخا لولي القتيل في قوله صلي الله عليه وسلم ” فمن عُفي له من اَخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء اليه بإحسان” والذي قصد بها أخوة الدين، ولا يعنينا هنا أن عفو أولياء القتيل لا يسقط الحق العام الذي يضطلع به ولي الأمر.
لأن موضوع هذا المبحث عن التعلق بالظواهر المشتملة على وصف الكفر دون ردها إلى المحكمات التي تبين المراد منها، وكذلك سمى الله عز وجل المقتتلين مؤمنين في قوله ” وإن طائفتان من المومنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما” إن المقصود من إطلاق وصف الكفر هنا كفر العمل الذي لا يخرج به صاحبه عن الدين، وإنما أراد الشارع من ذلك الإطلاق زجر المتجرئ، على القتل ببيان أن فعله ذلك لا يتصور أن يكون من أعمال المسلم، وهذا النوع هو الذي يسميه أهل العلم كفرا دون كفر، قال العلامة ابن الوزير اليماني مقررا إشتمال النصوص الشرعية على ذلك ” قد جاء كفر دون كفر، كقوله تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” ومنه أن النبي صلي الله عليه وسلم ” وآله لما وصف النساء بالكفر، وقال أصحابه يا رسول الله يكفرن بالله تعالى؟ قال لا، يكفرن العشير، أي الزوج، وهو متفق على صحته.
فلم يحملوا الكفر على ظاهره حين سمعوه منه صلي الله عليه وسلم وآله لإحتمال معناه ووجود المعارض وهو إسلام النساء وإيمانهن، ولم ينكر النبي صلي الله عليه وسلم وآله عليهم التثبت في معنى الكفر، والبحث عن مراده به، وكذلك تأولوا أحاديث سباب المؤمن فسوق، وقتله كفر، ولا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، مع الإتفاق على صحتها وكثرتها، وللإجماع المعلوم والنص المعلوم على وجوب القصاص، ولو كان كفرا على الحقيقة لأسقط القصاص، وكذلك تأول كثير من علماء الإسلام حديث ترك الصلاة كفر، مع ما ورد فيه من لفظ الشرك في صحيح مسلم وغير ذلك، وكذلك حديث النياحة كفر، وحديث الانتساب إلى غير الأب كفر” ولقد أدى إتباع تلك النصوص المتشابهة والذي هو مسلك أهل الزيغ والضلال من التكفيريين إلى مفاسد عظيمة في الدين بتحريفه عن مدلوله وعن مقصود منزله.
وفي الناس بإشاعة الفتنة ببلبلة تصوراتهم وزعزعة أفكارهم، وشحن صدورهم بالغيظ على مجتمعاتهم، وبإرادة الانتقام منها ولا ريب أن الدين بريء من ذلك كله براءة الذئب من دم يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وإن الغلو من أظهر سمات أولئك التكفيريين، وقد دل عليها قوله صلي الله عليه وسلم “يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” ذلك أنه ليس المقصود بالمروق من الدين هنا الخروج منه إلى الكفر، فقد قيل للإمام علي رضي الله عنه لما سئل عن سلفهم الأوائل “أمشركون هم؟ قال من الشرك فروا، قيل فمنافقون؟ قال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل فما هم؟ قال قوم بغوا علينا فقاتلناهم” ومما يؤكد عدم تكفيره لهم أنه صلي الله عليه وسلم لم يسر فيهم سير الصحابة في المرتدين كمسيلمة وأمثاله، وإنما المقصود من المروق في هذا الحديث وأمثاله هو ما وقعوا فيه من إعتقاد كفر ولاة الأمر وجماعة المسلمين اللائذة بهم.
وذلك لإعتقادهم أنهم ضلوا بخروجهم عن العدل، ثم ترتيب أحكام مبتدعة على ذلك التكفير، من إعتبار بلاد المسلمين دار كفر، وإستحلال دمائها وأموالها وأعراضها، ومن ثم مشروعية ال