مقال
(من كوالالمبور إلى غزة: شي جين بينغ والسيسي يؤسسان جبهات جديدة في مناورات “نسور الحضارة”)
جريدة الأضواء المصرية

– ترجمة تحليلى الدولى الهام باللغة الإنجليزية من موقع (المودرن دبلوماسى) للتحليلات السياسية العالمية… بعنوان:
(من كوالالمبور إلى غزة: شي جين بينغ والسيسي يؤسسان جبهات جديدة في مناورات “نسور الحضارة”)
تحليل الدكتورة/ نادية حلمى
الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف
جاءت زيارة الرئيس الصينى “شى جين بينغ” إلى ماليزيا فى ١٦ أبريل ٢٠٢٥، ولقاء الرئيس” شى” مع رئيس الوزراء الماليزى “أنور إبراهيم” وإعلانهما سوياً دعم الموقف الرسمى المصرى للرئيس “السيسى” الداعم لإعادة إعمار قطاع غزة، وذلك بعد حضور جلسة تبادل الإتفاقيات بين البلدين فى المقر الرسمى لرئيس الوزراء الماليزى فى “بوتراجايا”، مع التأكيد على الموقف الرسمى لكلاً من الصين وماليزيا بأن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين. وإنتهزت الصين فرصة زيارة الرئيس “شى جين بينغ” لماليزيا، لحث الجانب الماليزى على إصدار بيان مشترك مع الصين، يؤكد إلتزامهما بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة من أجل تطبيق التعددية الحقيقية والتحول لعالم متعدد الأقطاب الدولية، مع الحرص على التمسك بالنظام الدولى القائم على التعددية تحت مظلة الأمم المتحدة، وإحترام مبادئ النظام الدولى القائم على القانون الدولى، والمعايير الأساسية الحاكمة للعلاقات الدولية والمستندة إلى مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مع توجيه دعوة صينية ماليزية مشتركة لتنفيذ كامل وفعال لإتفاق وقف إطلاق النار داخل قطاع غزة والعودة فوراً للمفاوضات من أجل حل الدولتين.
كما أعربت ماليزيا عن نفس موقف مصر والرئيس “السيسى” الذى تدعمه الصين، والرافض لأى مقترح من شأنه أن يؤدة إلى التهجير القسرى أو نقل الفلسطينيين من وطنهم. وجاء بيان وزارة الخارجية الماليزية مؤكداً على أن: “مثل هذه الأعمال غير الإنسانية فى قطاع غزة تشكل تطهيراً عرقياً، وإنتهاكاً واضحاً للقانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة”. كما دعمت الصين وماليزيا ومعهما روسيا لموقف الرئيس”السيسى”، الرافض لتصريحات الرئيس الأمريكى “ترامب”، بالتأكيد على رفض “ثقافة الإلغاء” التى ينتهجها “ترامب” وإدارته، بما في ذلك إلغاء القانون الدولى، وإلغاء كل ما تم الإتفاق إليه فيما يتعلق بالوضع الراهن فى الشرق الأوسط. حيث جاء البيان الماليزى الصينى المشترك وقبلها البيان الروسى متفوقاً مع مصر والرئيس “السيسى”، الرافض لإلغاء قرارات مجلس الأمن الدولى، والتى إعترف بها الجميع دون إستثناء، كأساس ضرورى وملح للعمل لإقامة الدولة الفلسطينية، مع تأكيد وقوفهم جميعاً بصرامة فى مواجهة تصريحات “ترامب” عن الحاجة إلى إخلاء جميع السكان من قطاع غزة وتحويله إلى منتجع سياحى، مؤكدين أن مثل تلك التصريحات الأمريكية عبثية وتؤدى لتفاقم الوضع فى الشرق الأوسط. مع إتفاق الصين وماليزيا وروسيا والدول العربية مع مصر والسيسى، على أنه: “لا يمكن التوصل إلى تسوية فى الشرق الأوسط إلا على أساس حل الدولتين”، معتبرين أن حل الدولتين بأنه هو “الحل الوحيد الممكن”.
وهنا جاء الموقف السياسى الرسمى الصينى الماليزى المشترك خلال زيارة الرئيس الصينى”شى جين بينغ” لماليزيا فى ١٦ إبريل ٢٠٢٥، متطابقاً مع نظيره المصرى فى دعم الحقوق الفلسطينية ورفض السياسات الإسرائيلية، بعدما أعلن الجيش الإسرائيلى تحويل نحو ٣٠% من مساحة قطاع غزة إلى طوق أمنى، أى إنشاء منطقة عازلة لا يستطيع السكان الفلسطينيون العيش فيها، لذا جاء الإتفاق بين المواقف الصينية الماليزية مع مصر، بأن غزة جزء لا يتجزأ من أرض فلسطين، وأن (مبدأ حكم الفلسطينيين لفلسطين) يجب الإلتزام به فى إدارة غزة بعد إنتهاء الصراع.
وهنا جاءت المناورات العسكرية الصينية المصرية المشتركة المعروفة بإسم “مناورات نسور الحضارة” فى شهر إبريل ٢٠٢٥، فى ظل تفاقم التوتر على الحدود المصرية – الإسرائيلية، مع تصاعد الإنتشار العسكرى المصرى غير المسبوق فى سيناء بدعم كامل من الصين، بالتزامن مع مناورات جوية مشتركة بين مصر والصين، وهو ما أثار قلقاً كبيراً فى تل أبيب، التى إعتبرت التحركات المصرية خرقاً لإتفاقية “كامب ديفيد”، فى وقت تشهد فيه العلاقات بين الجانبين تدهوراً متسارعاً منذ اندلاع الحرب فى غزة. مع وجود تفاهم وتنسيق صينى مصرى كامل فى مواجهة أى ضغوط أمريكية بخصوص ملف التهجير القسرى لسكان قطاع غزة إلى مصر والأردن ودول الجوار. خاصةً فى ظل حرص الجانب المصرى على تنويع مصادر تسليح جيشه من الصين، عبر إقتناء طائرات “جى-٣١” الشبحية الصينية، التى وصفتها وزارتى الدفاع الأمريكية والإسرائيلية، بأنها “تمنح سلاح الجو المصرى تفوقاً نوعياً فى المنطقة”.
كما أكدت ﺍﻟﺼﻴﻦ رسمياً دعمها لخطط ﺍﻟﺴﻼﻡ التى ﺗﻘﻮﺩﻫﺎ ﻣﺼﺮ بقيادة الرئيس “عبد الفتاح السيسى” بموافقة اﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻭﺗﺆﻛﺪ الصين دعم موقف مصر الداعى لإعادة إعمار قطاع غزة ومنع التهجير القسرى لسكان غزة، مع ﺃﻫﻤﻴﺔ التعجيل بالمصالحة ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ الكاملة. وتعتبر الصين أن موقفها ثابت مع مصر والرئيس “السيسى”، بما يساهم فى ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍلإﺳﺘﻘﺮﺍر ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ فى الشرق الأوسط. مع إﻋﺘﺮﺍف ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺑﺎﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﻤﻬﻢ ﺍﻟﺬى ﺗﻠﻌﺒﻪ ﻣﺼﺮ فى ﺣﻞ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ، بما ﻳﺸﺠﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﺍﻹﻗﻠﻴمى ﻭﺍﻟﺪﻭلى. وهنا ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻭﻣﺎﻟﻴﺰﻳﺎ ﺃﻥ ﺗﺴﺎﻫﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﺇﻳﺠﺎبى فى ﺟﻬﻮﺩ ﺍﻟﺴﻼﻡ فى ﻏﺰﺓ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺩﻋﻢ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، وعلى الأخص جهود السلام المصرية، بالتأكيد ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ، ﻭﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ بين مختلف الفصائل الفلسطينية والتوصل إلى إتفاق فورى لوقف إطلاق النار وعملية تسليم الأسرى بين الجانبين الإسرائيلى وحركة حماس.
كما جاء دعم بكين لجهود مصر والدول العربية فى رفض التهجير لسكان غزة مع التأكيد على حق أبناء القطاع فى العيش الكريم وأمن وإستقرار، خاصةً بعد الحرب التى أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين داخل القطاع المحاصر. مع دعم الصين رسمياً لجهود مصر وقيادتها فى إستضافة القمة العربية بقيادة الرئيس “السيسى”، ونجاح القاهرة فى إستضافة القادة والزعماء العرب وموافقتهم جميعاً على خطة مصر برعاية الرئيس “عبدالفتاح السيسى”، والتى تشير إلى دور القاهرة التى تقع على عاتقها القضية الفلسطينية منذ عدة عقود. كما جاء دعم الصين لموقفلموقع المؤيد للحق الفلسطينى، مع تأكيد موقف الصين المساند لقواعد العدالة والإنصاف، والعمل جنباً إلى جنب مع الدول العربية والإسلامية من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء العنف، وبذل قصارى الجهد لحماية حياة المدنيين، وتسريع التوصل إلى حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية. مع رفض الصين فى فبراير الماضى ٢٠٢٥، لخطة الرئيس الأمريكى “دونالد ترمب” لتهجير سكان غزة وجعلها “ريفييرا الشرق الأوسط” بعد نقل الفلسطينيين إلى أماكن أخرى، بتأكيد الصين رسمياً عبر وزارة خارجيتها على إتفاقها مع مواقف الرئيس المصرى “السيسى” فى معارضة التهجير القسرى لسكان القطاع. وقال المتحدث بإسم وزارة الخارجية الصينية “لين جيان”، عندما سؤاله عن رؤية “ترامب” فى مؤتمر صحفى فى بكين بخصوص ملف التهجير القسرى للفلسطينيين، بتأكيده على أن: “لقد أكدت الصين دائماً أنها تدعم حق الفلسطينيين فى حكم غزة بعد الحرب، ونحن نعارض التهجير القسرى لسكان غزة”.
وبصفتى خبيرة مصرية فى السياسة الصينية، نجد بأن موقف الصين ثابت منذ بداية الحرب فى غزة فى أكتوبر ٢٠٢٣، حيث أرسلت بكين مساعدات إنسانية إلى غزة، وعقدت إجتماعاً طارئاً فى مجلس الأمن الدولى وكافة المحافل الدولية، للدعوة لوقف إطلاق النار وإيجاد حل للأزمة الحالية فى قطاع غزة، كما قدمت الصين إسهامات مهمة للم شمل البيت الفلسطينى فيما يعرف بإتفاق بكين، بعقد حوارات داخل الأراضى الصينية بين مختلف الفصائل الفلسطينية لتوحيد صفوفها ونبذ خلافاتها، وتم التوقيع على إتفاق بكين فى يوليو ٢٠٢٤، بحضور جميع أطياف الفصائل الفلسطينية، بما فيها (حركة الجهاد) التى تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية كجماعة إرهابية، وهو ما إستفز الجانبين الإسرائيلى والأمريكى.
وبناءً عليه، جاء الرفض الصينى القاطع لقرارات الرئيس الأمريكى “ترامب” منذ فترة رئاسته الأولى، وإظهاره دعماً قوياً لإسرائيل، وإتباع سلسلة من السياسات المؤيدة لها، بما فى ذلك الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ودفعه لخطة أو صفقة القرن، وغيرها من الإجراءات التى منحت إسرائيل مزايا إستراتيجية على حساب الحق المشروع للفلسطينيين. كما جاء إعلان الصين رسمياً على وزير خارجيتها “وانغ يى” فى شهر مارس ٢٠٢٥، عن دعم الصين لخطة إستعادة السلام وإعمار قطاع غزة، التى إقترحتها مصر ورئيسها “السيسى”، وذلك خلال المؤتمر الصحفى لوزير الخارجية الصينى “وانغ ي” خلال حضوره الدورة السنوية للهيئة التشريعية الوطنية، مؤكداً بأن “غزة أرض تنتمى إلى الشعب الفلسطينى، وهى جزء لا يتجزأ من الأراضى الفلسطينية”. مع تأكيده بأن “تغيير وضع غزة بالقوة لن يجلب السلام، بل سيسبب فوضى جديدة”.
كما كان الخطاب الرسمى العام داخل الصين مؤيداً للحق الفلسطينى كاملاً ومنتقداً للسياسات الأمريكية والإسرائيلية المجحفة بالفلسطينيين، مع الوضع فى الإعتبار بأن الخطاب الرسمى الصينى يساهم فى توجيه وصناعة الرأى العام داخل الصين لعدم وجود إعلام بديل آخر محلى، حيث لا يوجد فى الصين سوى الإعلام الرسمى فقط، وصفحات ووسائل الإعلام الأجنبية والغربية محجوبة عن التصفح داخل الصين. وفى أعقاب عملية (طوفان الأقصى) فى السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، وجدت الصين نفسها أمام النموذج الذى تفضله فى السياسة الدولية القائم على إظهار التباين عن الموقف الأمريكى وتقديم نفسها كقائدة لعالم الجنوب والتأكيد على أهمية الحوار بين الجنوب – الجنوب لإيجاد حلول لكافة المشاكل الإنسانية القائمة، وفقاً لمبدأ الرئيس الصينى “شى جين بينغ”، بشأن (المصير المشترك للبشرية) والمنفعة المتبادلة بين الجميع. ومن أجل ذلك، دعت الصين إلى عقد (مؤتمر دولى للسلام) لحل القضية الفلسطينية، وطلبت تضامن دول الجنوب العالمى النامى معها، بالنظر لتعاطف العديد من دول الجنوب العالمى مع فلسطين، وبالتالى فإن الدعوة لمؤتمر للسلام هى قضية يمكن للصين إستخدامها لحشد الدعم لقيادتها لدول الجنوب العالمى، وهو ما تطمح إليه الصين.
لذا جاء الدعم الصينى الواسع للفلسطينيين ولعالم الجنوب النامى ومن بينهم مصر، فى تأييد الحق الفلسطينى، ففى ظل الدعم الواسع الذى قدمته واشنطن لإسرائيل على الصعيد العسكرى والسياسى والدبلوماسى، سعت الصين لتقديم نفسها كقائدة للحوار الحضارى العالمى وفقاً لفلسفة الرئيس “شى جين بينغ”، وركزت الصين فى تصريحاتها ومواقفها الرسمية على دعوة الجانبين لضبط النفس وتأكيد مبدأ حل الدولتين بديلاً للصراع. كما إنتقدت بكين القصف الإسرائيلى الشامل للمدنيين وأدانت إنتهاكات القانون الدولى، وطالبت فى معظم تعليقاتها على المواجهة فى غزة لتنفيذ حل الدولتين والدعوة إلى إنشاء (ممر إنسانى) للسماح بدخول المساعدات إلى داخل قطاع غزة المحاصر، مع إتفاق الصين مع كافة دعوات الرئيس المصرى “السيسى” الرافضة لتهجير سكان غزة وإخلاء القطاع على حساب سكانه الأصليين.