إستراتيجية مقترحة لمواجهة تحديات وتهديدات التطورات التكنولوجية المتسارعة على الأمن القومي المصري
إعـــداد الأستاذ الدكتور / غادة محمد عامر أحمد
اشراف
اللواء دكتور صفوت صادق الديب مدير الاكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
الأستاذ الدكتور / احمد صالح امين وكيل كلية الحاسبات والمعلومات جامعة 6 اكتوبر
المحكمين
اللواء دكتور / صفوت صادق الديب المدير السابق للأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية
اللواء الأستاذ الدكتور / موسى إبراهيم موسى – عميد كلية الحاسبات جامعة 6 أكتوبر
اللواء الأستاذ الدكتور/ يحي الحلوجي – نائب مدير الكلية الفنية العسكرية السابق وعميد كلية الهندسة
وبحضور فضيلة المفتي الأستاذ الدكتور نظير عياد، والعديد من القادة والاكاديميين
ملخص الرسالة
لقد تناول تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الذي صدر في يناير 2023م خطورة التطور التكنولوجي من عدة جوانب، حيث أشار إلى فقدان الوظائف بسبب الأتمتة والذكاء الاصطناعي، مما يترك العديد من العمال دون فرص للتكيف. كما تم تسليط الضوء على مخاوف الخصوصية والأمان، حيث تزداد الانتهاكات والهجمات السيبرانية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم التطور التكنولوجي في تفاقم الفجوة الاجتماعية بين من يمتلكون التكنولوجيا ومن لا يمتلكونها، مما يزيد من التفاوت في توزيع الثروة. كما أُشير إلى التأثير السلبي على الصحة النفسية نتيجة الإدمان على الأجهزة، وتراجع التفاعل الاجتماعي. وأخيراً، تم تناول القضايا البيئية المرتبطة باستهلاك الطاقة والنفايات الإلكترونية الناتجة عن الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا.
التطور التكنولوجي لا يزال مستمرًا بوتيرة سريعة، والتقنيات المستقبلية تعد بالكثير من التحولات التي قد تغير حياتنا بشكل جذري. من أبرز هذه التقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدم، الذي من المتوقع أن يصبح أكثر قدرة على التعلم والتفاعل مع البشر بشكل طبيعي وأكثر دقة، مما سيسهم في تحسين العديد من الصناعات مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات المالية. الروبوتات الذكية هي الأخرى تمثل أحد المجالات المستقبلية الواعدة، حيث سيكون لها دور كبير في الصناعة، الرعاية الصحية، والقطاع العسكري.
من بين التقنيات المستقبلية المهمة أيضًا الطاقة المتجددة، التي تركز على تطوير مصادر طاقة بديلة ومستدامة مثل الطاقة الشمسية، الرياح، والطاقة النووية المتقدمة. كما يُتوقع أن تشهد التكنولوجيا الحيوية تقدمًا ملحوظًا في مجال علاج الأمراض والوقاية منها، خاصة مع تطور الطب الجيني والعلاج بالخلايا الجذعية. في نفس الوقت، تسعى التقنيات المستقبلية إلى تحسين البنية التحتية الرقمية وتوسيع شبكات 5G لتوفير اتصال أسرع وأكثر استقرارًا بين الأجهزة المتصلة، مما يسهم في تعزيز تكنولوجيا إنترنت الأشياء (IoT) الذي من المتوقع أن يغير الطريقة التي نتعامل بها مع الأجهزة المنزلية والسيارات والمدن الذكية.
يمثل التطور التكنولوجي تحديات كبيرة للأمن القومي في الدول العربية، وخاصة مصر، حيث يمكن أن يؤدي الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا إلى زيادة المخاطر السيبرانية والهجمات الإلكترونية التي تستهدف البنى التحتية الحيوية. كما أن الاعتماد على التكنولوجيا في المجالات العسكرية والاقتصادية قد يفتح المجال لتهديدات جديدة، مثل التجسس الرقمي أو فقدان السيطرة على المعلومات الحساسة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهم التحول الرقمي في تفاقم الفجوة الاجتماعية والاقتصادية، مما يزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي. وهذا قد تؤثر هذه المخاطر على الاستقرار السياسي والاقتصادي، مما يتطلب استراتيجيات فعالة للتصدي لها وتعزيز الأمن التكنولوجي والتعاون الإقليمي لمواجهة التحديات المشتركة في ظل التطور التكنولوجي السريع.
في هذا السياق، يسعى هذا البحث إلى محاولة فهم وتقييم تأثير التطورات التكنولوجية السريعة على الأمن القومي المصري، واقتراح استراتيجية شاملة تمكن مصر من الاستفادة من هذه التطورات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما يعزز من قدرات الأمن القومي المصري ويرفع من مستوى الحماية والصمود أمام التهديدات التكنولوجية المحتملة.
يستهل البحث بتقديم شرح موجز لتاريخ ومفهوم التطورات التكنولوجية أدواتها الحالية والمستقبلية ومجالات استخدامها، إلى جانب استعراض لأبرز المحطات في تاريخ التطور التكنولوجي وما نشأته نتيجته من ثورات صناعية، وتم أيضا استعراض تأثير التكنولوجيا العسكرية على التطور التكنولوجي، وكيف إنها كانت في كثير من الأحيان في خلق العديد من التكنولوجيا المدنية .
يمثل العنصر البشري جزءًا محوريًا في الاستراتيجية المقترحة، حيث لا يمكن تحقيق الأمن التكنولوجي بشكل فعال دون توافر كوادر مدربة ومؤهلة. تشمل الاستراتيجية مقترحات لزيادة برامج التدريب والتأهيل المهني في مجال الأمن التكنولوجي، سواء من خلال الشراكات مع الجامعات أو المبادرات الحكومية لتطوير المهارات التقنية والمعرفة الأمنية. كما تشدد على أهمية حملات التوعية لتعزيز ثقافة الوعي السيبراني بين مختلف فئات المجتمع.
يخصص البحث جزءًا مهمًا لتحليل كيفية تأثير التطورات السريعة التي يشهدها مجال الأمن التكنولوجي على استراتيجيات الدفاع القومي في مصر، وكيفية مواجهة هذه التطورات وتحدياتها المتجددة. كما يسلط الضوء على أهمية الأمن التكنولوجي بالنسبة للأمن القومي المصري بشكل عام، وضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتعزيز هذا الجانب الحيوي.
قدم البحث نماذج لدور التكنولوجيا في قوة الدول العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، فتم دراسة حالة لكل من الدول التالية الولايات المتحدة الأمريكية ، جمهورية الصين الشعبية، وإسرائيل، فتم دراسة الأسباب التي أدت إلى تطور التكنولوجيا في تلك الدول، وما هو دور الجامعات والشركات العملاقة والقطاع العسكري في الابتكار التكنولوجي في تلك الدول.
من جانب آخر، استعرض البحث كيفية استخدام التقنيات ذات الاستخدام المزدوج: التحديات التجارية، والتنظيمية، والمجتمعية، والأمنية. ولفهم هذا الامر تم تقديم دراسات حالة حول معضلات التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج، مثل تقنيات التعديلات الجينية، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا البلوكتشين والعملات الرقمية.
في الجزء الخاص بالاستراتيجية المقترحة، يؤكد البحث مرة أخرى على أهمية مواكبة مصر للتطورات التكنولوجية المتسارعة وامتلاك أدوات التكنولوجيا الحديثة مع مراعاة تأثيرها المباشر على الأمن القومي المصري. كما تم اقتراح مجموعة من السياسات والإجراءات التي يمكن لمصر اتخاذها لتعزيز الأمن التكنولوجي والأمن القومي على حد سواء. ومن أبرز هذه الإجراءات تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الأمن التكنولوجي، وتوفير التدريب والتعليم المناسبين في هذا المجال لتأهيل الكوادر البشرية اللازمة.
بالإضافة إلى ذلك، يدعو البحث إلى تطوير التشريعات والسياسات القانونية الرامية إلى حماية البنى التحتية الحيوية والبيانات الحساسة من التهديدات التكنولوجية، وتعزيز قدرات مصر في الاستجابة للهجمات التي يمكن أن تشئ باستخدام التكنولوجيا الحديثة عند وقوعها. كما يؤكد على ضرورة تطوير القدرات التقنية والتكنولوجية لمصر في مجال الأمن التكنولوجي، بما يمكنها من مواكبة التطورات السريعة في هذا المجال الحيوي.
تدعو الاستراتيجية إلى دعم البحث العلمي والابتكار في مجال الأمن التكنولوجي، من خلال تمويل مشاريع البحث وتطوير حلول متقدمة لمواجهة التهديدات المستقبلية. يشمل ذلك إنشاء مراكز بحثية متخصصة وتطوير الشراكات مع المراكز العالمية المتقدمة في هذا المجال. يهدف الابتكار إلى استباق التهديدات وتطوير أدوات حديثة تعتمد على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا لمكافحة التحديات السيبرانية.
في الختام، يخلص البحث إلى أن التكنولوجيا المتقدمة قد أضحت عنصرًا أساسيًا وجوهريًا للأمن القومي المصري في ظل التطور التكنولوجي السريع. وفي ظل التهديدات التكنولوجيا المتعددة والمتنامية التي تنشأ من هذا التطور وتواجهها مصر، أصبح لزامًا على الدولة المصرية تعزيز قدراتها واستراتيجيتها في هذا المجال الحيوي، بما يضمن حماية أمنها القومي وصون مكتسباتها الوطنية في شتى المجالات.
نجاح هذه الإستراتيجية في المجالات كافة يتطلب الاستخدام الأمثل لجميع عناصر الإستراتيجية، وذلك بتضافر الدول العربية بكل أجهزتها ومؤسساتها المختلفة في ظل التحديات والتهديدات التي تواجه المنطقة العربية، وتوجيه الآليات للعمل طبقاً للظروف المواتية لها وعلى المديات المختلفة، إعتماداً على ما تمتلكه من مقومات أساسية يمكن استغلالها لصالح نجاح هذه الإستراتيجية .
لقد أكد السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي أن الدولة تُبذل حالياً جهوداً مكثفة تتنافس مع مرور الزمن لمجاراة التطور التكنولوجي الحديث الذي تأخرنا في استيعابه لسنوات رغم الصعوبات والتحديات التي تعترض طريق تعافي اقتصادها إضافة إلى ارتفاع معدلات الأمية والبطالة وتدهور البنية التحتية وأوضح الباحث أن القوى العظمى تسعى دوماً لتقييد طموحات مصر وإضعاف مكانتها بالإضافة إلى إعادة تشكيل هويتها عبر وسائل تعتمد على استغلال الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف تُستهدف النيل من أمنها القومي مما يستلزم اعتماد استراتيجية لاستخدامه في تعزيز الأمن الوطني في ظل التحولات الراهنة.
تمتد الاستراتيجية المقترحة لتشمل تطبيقات عملية في مجالات حيوية مثل البنية التحتية الحرجة، أنظمة الصحة الرقمية، والقطاعات الدفاعية والأمنية. تتضمن الاستراتيجية خططًا لضمان حماية هذه القطاعات من التهديدات السيبرانية عبر استخدام تقنيات متقدمة مثل إدارة الهوية الرقمية والتحقق الثنائي، إلى جانب وضع بروتوكولات أمان متطورة تضمن سرعة الاستجابة والتعافي من الحوادث.
تتطلب الاستراتيجية المقترحة لتعزيز الأمن التكنولوجي تضافر الجهود على جميع المستويات، من البنية التحتية والتقنية إلى السياسات والتشريعات والتعاون الدولي. إن تنفيذ هذه الاستراتيجية سيعزز من قدرة مصر على مواجهة التهديدات السيبرانية بشكل فعّال ويحقق الأمن الوطني المستدام، مما يساهم في حماية مكتسبات التحول الرقمي ويضمن استقرار المجتمع والاقتصاد.
وضعت الإستراتيجية المقترحة، والتي اعتمدت محاورها على تعظيم الاستفادة من جميع الموارد المادية والبشرية المتاحة في استكمال البنية التحتية، مع الاستعانة في السنوات الأولى بالخبرات الدولية في هذا المجال، مع وضع جميع التحديات في الاعتبار وحتى نصل في المدى البعيد إلى الريادة في مجال التكنولوجيا الفائقة، ليكون أساسا في تحقيق غايتنا القومية.