البورصة المصرية الآن: سوق يبحث عن الثقة وسط زحام المتغيرات

يكتب ✍✍✍ دكتور / علي جمال عبد الجواد مدرس أدارة الأعمال والمالية .
تمرّ البورصة المصرية بمرحلة دقيقة، يمكن وصفها بأنها الأكثر حساسية منذ سنوات. فالتقلبات التي يشهدها السوق لم تعد فقط ناتجة عن عوامل اقتصادية داخلية، بل أصبحت أيضًا انعكاسًا مباشرًا لحالة من الترقّب والقلق الممتد لدى المستثمرين بشأن السياسات النقدية، وسعر الصرف، ومستقبل الاقتصاد المصري بشكل عام.
اللافت أن هذا التراجع لا يرتبط دائمًا بغياب المؤشرات الإيجابية. بل على العكس، توجد فرص حقيقية داخل السوق، ولكن الثقة غائبة، وهو ما يجعلنا أمام مشهد معقد يجمع بين معطيات السوق ومزاج المستثمر.
ما وراء الأرقام: تحليل لأهم المؤثرات
من منظور علمي ومالي، يمكن تفكيك الحالة الحالية للسوق المصري إلى عدة محاور أساسية:
1. تذبذب سعر الصرف:
تقلبات الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، خاصة الدولار، ساهمت في خلق بيئة استثمارية غير مستقرة، حيث أصبح العائد الحقيقي للمستثمر الأجنبي مهددًا بتآكل قيمته عند تحويل الأرباح.
2. معدلات الفائدة المرتفعة:
مع كل رفع للفائدة من البنك المركزي، تزداد جاذبية أدوات الدين مقابل الأسهم، ما يدفع العديد من المستثمرين نحو العائد الآمن، ويضعف بالتبعية شهية المخاطرة في سوق المال.
3. غياب الطروحات الحكومية الفعالة:
رغم إعلان الدولة أكثر من مرة عن نية طرح شركات جديدة، إلا أن التنفيذ على الأرض لا يزال دون التوقعات، ما زاد من الشكوك حول جدية هذه التوجهات وجدواها.
4. البيئة التنظيمية والتقنية للسوق:
لا يزال السوق بحاجة لتحديثات في البنية التكنولوجية وتطوير في آليات الإفصاح والتداول، وهو ما يؤثر على كفاءة السوق ويحد من ثقة المؤسسات الكبرى.
وجهة نظر: البورصة لا تحتاج ضخ أموال… بل ضخ ثقة
من واقع خبرتي الأكاديمية ومتابعتي الطويلة لحركة السوق، أرى أن البورصة المصرية لا تعاني من نقص السيولة بالمعنى التقليدي، بل من نقص الثقة في المنظومة ككل.
ما تحتاجه السوق اليوم ليس مجرد تحفيز مالي، بل:
– وضوح أكبر في السياسات الحكومية تجاه الاقتصاد والاستثمار.
– تفعيل فعلي وسريع للطروحات الحكومية بدلًا من تأجيلها المتكرر.
– حملة توعية قوية لرفع الثقافة المالية لدى الأفراد، بما يقلل من الاندفاع والسلوك العاطفي.
– إصلاحات تنظيمية داخل السوق ذاته، لتحسين كفاءة التداول وتعزيز الشفافية.
الخلاصة: الفرصة لا تزال قائمة… إن أحسنا التعامل
رغم كل ما سبق، لا يزال هناك أمل. السوق المصري يمتلك قطاعات قوية وشركات ذات أساسيات مالية جيدة.
لكن المشكلة في البيئة المحيطة، ومناخ القرار، ورسائل الدولة التي تصل للمستثمر.
إن نجحنا في ضبط هذه العوامل، يمكن للبورصة أن تعود بسرعة لتلعب دورها الطبيعي كأداة لجذب الاستثمارات وتحقيق النمو.