مقال

بعيدًا عن الإنسانية

جريدة الأضواء المصرية

بعيدًا عن الإنسانية

بقلم: خالد سالم

بعد مشقة المطاردة، وأنفاسٍ لاهثة وجوعٍ يفتك بالأحشاء، تمكنت أنثى الأسد من الإمساك بالغزال. كانت لحظة الانتصار التي ينتظرها المفترس لحسم معركة البقاء. ولكن ما إن بدأت تنهش فريستها حتى شعرت بشيء غريب… شيء لم تألفه من قبل.

توقفت، ثم اقتربت أكثر، تفحّصت الجسد الراقد تحت براثنها… وإذا بها تكتشف أن الغزالة كانت حاملًا.

ارتبكت… ارتجف قلبها الجائع.

غرّزت أنيابها في الهواء لا في اللحم، وأزاحت جسد الفريسة قليلًا. بعينيها الغائرتين المليئتين بالحيرة، راحت تحاول إنقاذ الجنين.

بمخالبها التي اعتادت التمزيق، حاولت التحنان.

بأسنانها التي طالما فتكت، أرادت الدفء.

ولكن لم تفلح.

الجنين فارق الحياة… والغزالة أيضًا.

انطرحت أنثى الأسد بجوار الفريسة، كأنها تبكي بصمت، أو ربما تعتذر.

وبينما كان المصور يراقب المشهد من بعيد، ينتظر نهاية درامية لتوثيق لحظة الافتراس، فوجئ بأن أنثى الأسد لا تزال ساكنة. اقترب منها… فإذا بها قد ماتت هي الأخرى، دون أن تذوق طعامًا، دون أن تقتل… فقط… ماتت من الحزن، من الصدمة، من شعورها بأن الصيد هذه المرة لم يكن انتصارًا، بل خيانة لفطرتها.

يا للمفارقة…

أنثى الأسد تموت لأنها لم تحتمل فكرة قتل حياة لم تولد بعد.

بينما الإنسان لا يتورع عن قتل إنسانٍ مثله، عن تفجير، عن تمزيق، عن تشريد، عن سفك دم لا يعرف حتى اسمه.

أين نحن من أنثى الأسد؟

أين نحن من “الوحوش” التي سبقتنا بالرحمة؟

عندما تموت المبادئ… لا يبقى من الإنسانية سوى الاسم.

وسبحان الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى