الإنحراف في فهم النصوص الشرعية بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصا حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ثم أما بعد إن أكبر أسباب الإبتداع في الدين والإنحراف عن المنهج الحق الوسطي والوقوع في الغلو والإفراط، أو في الجفاء والتفريط قديما وحديثا هو الإنحراف في فهم النصوص الشرعية والتفلت من فهم السلف لها ولذلك ظهرت بعض التيارات الفكرية المعاصرة والمنابذة للحق.
ولا بد من التفريق بين ما كان فهما لبعض السلف وفهم السلف، فالثاني يقتضي إجماعهم أو اتفاق جمهورهم مع عدم وجود المخالف منهم، بينما الأول يدخل فيه إجتهاد أفرادهم في بيانهم لبعض الأحكام الجزئية أو تفسيراتهم لبعض الآيات القرآنية التي إختلفوا فيها وتعددت أقوالهم أو لم يشتهر ذلك عنهم أو جانب بعضهم الصواب فيها، وللسلف الصالح من الخصائص والميزات التي لا تجتمع في غيرهم ما يوجب تقديم فهمهم على فهوم المتأخرين كسلامة مصادرهم في التلقي وحرصهم على العلم وفهمه والعمل بما علموه ومشاهدتهم الوحي والتنزيل مما أورثهم مزيد فهم لا يشاركهم فيه غيرهم كما أنهم أعظم الناس عقلا وفهما وحسا وإدراكا وذلك ثمرة قوة إيمانهم وتقواهم، وأن الحق لا يخرج عن فهم السلف مهما تصرفت مصادره وتعددت موارده.
وإن خير الأمور هي السالفات على الهدى وشر الأمور هي المحدثات البدائع، وكما أن الوضوح والإشهار هو سمة أهل السنة، وأن الإختفاء والإسرار هي سمة أهل البدعة، حيث قال الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله “إذا رأيت قوما يتناجون في دينهم دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلاله” وقال في ذم الخصومات في الدين ” من جعل دينه عرضة للخصومات أكثر التنقل” وقال سفيان الثوري رحمه الله “البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها” وحين حذر ابن مسعود رضي الله عنه من البدع وأمر بالهرب منها، قيل له يا أبا عبدالرحمن فإلى أين؟ قال “إلى لا أين” قال “يهرب بقلبه ودينه لا يجالس أحدا من أهل البدع” وتأمل قوله الذي يكاد يخرج من مشكاة النبوة.
“كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير إذا ترك منها شيء قيل تركت السنة ” قيل متى ذلك يا أبا عبدالرحمن؟ قال “ذلك إذا ذهب علماؤكم وكثرت جهالكم وكثرت قرّاؤكم وقلّت فقهاؤكم والتمست الدنيا بعمل الآخرة وتفقه لغير الدين” وقال الإمام الشاطبي رحمه الله في الإعتصام، عن كميل بن زياد أن عليا رضي الله عنه قال يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير والناس ثلاثة فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يستضيؤا بنور العلم ولم يلجؤا إلى ركن وثيق، أف لحامل حق لا بصيرة له ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة لا يدري أين الحق إن قال أخطأ وإن أخطأ لم يدري، مشغوف بما لا يدري حقيقته فهو فتنة لمن فتن به” وقال ابن الماجشون سمعت مالكا يقول “من إبتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، لأن الله عز وجل يقول “اليوم أكملت لكم دينكم” فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا “