مقال

أنت مع من أحببت

جريدة الأضواء المصرية

أنت مع من أحببت
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله، وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن في الدين عصمة أمركم، وحسن عاقبتكم أما بعد إن من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم هو المحبة، وحب النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأمور وأهم المهمات، وهي واجبة على المسلم لا خيار له فيها، وبقدر أهمية هذا الأمر كان ثوابه، فقد عظّم الله ثواب من أحب محمدا صلى الله عليه وسلم بل جعل له أعظم مزية وأغلى غاية، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم ” وماذا أعددت للساعة ؟” فقال الرجل ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله” فأتى الجواب الكريم، بالأجر العظيم.

والبشرى الطيبة التي أفرحت الصحابة أشد الفرح، أتدرون ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال للرجل ” أنت مع من أحببت” أي أن محب النبي صلى الله عليه وسلم يكون معه في الجنة، وهذه أكمل المنى وأعظم الغايات، وعلى هذا النهج كانت حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، بل وسائر الصحابة رضوان الله عليهم، وأما عن غزوات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فمنها غزوة مؤتة بين المسلمين والنصاري في اليمن حيث إنطلق الجيش المسلم حتى وصل إلى معان من أرض الشام، فعلموا أن أعداءهم حشدوا لهم حشودا ضخمة لقتالهم، إذ جمعوا لهم مائة ألف مقاتل نصراني من الروم ومائة ألف نصراني من العرب، فتشاور المسلمون، فقال بعضهم نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدّنا بالرجال.

وإما يأمرنا بأمره فنمضي لكن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه حسم الموقف، وقال ابن حبان في السيرة النبوية الشريفة وأخبار الخلفاء، وتجهز الناس معه أي مع زيد بن حارثة فخرج معه قريبا من ثلاثة آلاف من المسلمين، ومضى حتى نزل معان وهي مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء من أرض الشام، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآب وهي مدينة في طرف الشام من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم، فشجّع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم والله إن التي تكرهون هي التي خرجتم من أجلها الشهادة ولا نقاتل الناس بعدد ولا قوة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة، فقال الناس قد والله صدق ابن رواحة”

وأشعلت كلمات عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مشاعر الجيش المسلم الصغير العدد، فإنطلقوا تدفعهم عقيدتهم الصادقة، ويقينهم بأن ما عند الله خير وأبقى، فسار قائدهم زيد بن حارثة رضي الله عنه بهم إلى منطقة مؤتة، حيث قاتل الروم هناك، فكانت ملحمة كبيرة، سجل فيها القادة الثلاثة بطولة عظيمة انتهت بإستشهادهم، ثم إتفق المسلمون على خالد بن الوليد رضي الله عنه أميرا عليهم، فحمل الراية وأخذ يقاتل ويحاول إنقاذ الجيش من هذا المأزق الخطير، بالإنسحاب المنظم من أرض المعركة، وهو من أصعب العمليات العسكرية، حتى دخل الليل فكان هدنة مؤقتة، فأعاد خالد رضي الله عنه فيها تنظيم جيشه، وهجم على الروم بعد الفجر وقتل منهم الكثير، وإستشهد من المسلمين ثلاثة عشر رجلا فقط، ولا تعد خسائر المسلمين شيئا يذكر، بجانب خسائر النصارى.

ومن ثم كان هذا الإنسحاب المنظم قمة النصر بالنسبة لظروف المعركة، ورجع خالد رضي الله عنه بجيشه إلي المدينة، وفي المدينة المنورة كانت قلوب المسلمين مع إخوانهم في مؤتة، وقد حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بخبر الجيش وبإستشهاد القادة الثلاثة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى أي أخبر بقتل زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال “أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى