مقال

شهر رجب مع أهل الجاهلية

جريدة الأضواء المصرية

شهر رجب مع أهل الجاهلية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 29 ديسمبر 2024
الحمد لله الذي خلق الخلق بقدرته، ومنّ على من شاء بطاعته، وخذل من شاء بحكمته، فسبحان الله الغني عن كل شيء، فلا تنفعه طاعة من تقرب إليه بعبادته، ولا تضره معصية من عصاه لكمال غناه وعظيم عزته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في إلاهيته، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله خيرته من خليقته، اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحابته صلاة وسلاما كثيرا، أما بعد فاتقوا الله تعالى بدوام الطاعات، وهجر المحرمات فقد فاز من تمسك بالتقوى في الآخرة والأولى، وخاب وخسر من اتبع الهوى ثم أما بعد أيها المسلمون إن هذه البلايا وتلك الرزايا التي حلت مواجعها بالعالم كله ووضعت فواجعها على الملأ بأسره، من فتن ومحن وشرور وإحن ما هي إلا نتيجة حتمية وثمرة حقيقية، لما تعانيه البشرية.

من بعد عن منهج رب البرية، في صورة مخيفة من التحدي الإلهي، والإنفلات الديني، فالله الله بالعودة الحميدة لدين الله، فالله يفرح بتوبتكم ويسعد بأوبتكم، فالتوبة تقيل العثرات وتمحو الزلات وتزيل الهفوات فتوبوا إلى الله رب البريات ” وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ” ولقد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن شهر رجب المحرم وأماعن حكم تخصيص شهر رجب أو أول يوم منه أو أول جمعة أو خميس منه بالصيام؟ فقد جرت عادة بعض المسلمين على تخصيص شهر رجب أو أول يوم منه أو أول خميس أو أول جمعة فيه بالصيام، وهذا التخصيص لم يثبت عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فما صاموا هذه الأيام، ولا دعوا الناس إلى صيامها، بل لا زال العلماء على إختلاف بلدانهم ومذاهبهم وأزمانهم.

ينكرون ما يروى عن هذا الصيام من أحاديث ضعيفة أو مكذوبة، ويبيّنون للناس بطلانها وأنها لا تصح، فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي رحمه الله بأنه لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معيّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه، حديث صحيح” وقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله ” وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه” وأما من كانت له عادة بصيام يوم وإفطار يوم من كل شهر في السنة، أو صيام الأيام البيض، أو الاثنين والخميس من كل شهر، فهذا لا حرج عليه في صيامها في رجب، لأنه لم يقصد تخصيص شهر رجب، ولا تعظيمه على باقي الشهور بالصيام فيه، وسمي رجب مضر لأن مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب.

الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالى ” إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ” وقيل أن سبب نسبته إلى مضر، أنها كانت تزيد في تعظيمه وإحترامه فنسب إليهم لذلك، وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة أن معني وتفسير كلمة رجب هي أن الراء والجيم والباء أصل يدل على دعم شيء بشيء وتقويته، ومن هذا الباب هو رجبت الشيء أي عظمته، فسمي رجبا لأنهم كانوا يعظمونه وقد عظمته الشريعة أيضا، وقد كان أهل الجاهلية يسمون شهر رجب منصّل الأسنة كما جاء عن أبي رجاء العطاردي قال “كنا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجرا هو أخير منه ألقيناه وأخذنا الآخر.

فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة أي بمعني “كوم من تراب” ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا منصّل الأسنة فلا ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه في شهر رجب” رواه البخاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى