هل تذكرت يوما عندما تسأل في قبرك بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا، ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلا، وسهل لهم طرقها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا، وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا، الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا، وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أما بعد، عباد الله ما من ذنب يقع إلا بمعصية ولا يرتفع إلا بتوبة، فالمعاصي معاول هدم وأدوات دفن تهدم العقيدة وتدفن التوحيد والتوبة تجدد الإيمان وتزيد الإحسان.
وتبعث في النفس سراج النور ومشعل الحق والسرور، ولأجل المعاصي والآثام والجرائم العظام يعاني العالم بأكمله تحديات متنوعة ومصائب متكاثرة وآفات مختلفة، فها هو العالم ينادي مستغيثا من إرتفاع معدلات الجريمة وكثرة أنواع الجناية وتدهور في الإقتصاد وإحتباس للحرارة في شتى البلاد، كل ذلك بما كسبت أيدي العباد، فهذا فقر يراد وغلاء يزداد وتضخم مخيف وتمرد سخيف وديون تتراكم وويلات تتعاظم، ألا فلنأخذ من ذلكم العبر والعظات والدروس المهمات، ألا فلنعلم أن الربا سبب للحرمان من الخيرات ومنع الزكاة حبس عن الأعطيات، ألا وإن إنتشار الفواحش والموبقات يؤدي إلى منع الأمطار والخير المدرار وموت الدواب والأشجار وإفتقار الفيافي والقفار، ألا وإن أعظم أسباب فقدان الأمن وحلول المخاوف والمصائب هو البعد عن المنهج الإلهي.
والمخالفة للنهج النبوي، فتسود المعاصي والشنائع، وتتفشى الذنوب والفظائع، فيا تاركا للصلاة ويا هاجرا لبيوت الله ويا مستهينا بأوامر الله تعالي هل تذكرت هادم اللذات ومفرق الجماعات، وهل تذكرت مفارقة المال والأهل والأولاد وهل تذكرت يوما تكون فيه من أهل القبور وهل تذكرت ضيقها وظلمتها ووحشتها وكربتها وهل تذكرت عذاب القبر وحياته وعقاربه وهل تذكرت عندما يضرب الفاجر بمرزبة من حديد ويصيح صيحة يسمعه كل الخلائق إلا الإنس والجن، وهل تذكرت عندما تسأل في قبرك أتوفق للجواب أم تحيد عن الصواب، فيا ويلك كيف نسيت الموت وهو لا ينساك، ويلك كيف غفلت ولم يغفل عنك وويل لك كيف تؤثر دنياك ولا تدري غدا ما يفعل بك، فأعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا، وإياك والتفريط في جنب الله فالله معك يسمعك ويراك.
وإياك والتسويف ولا تقل ما زلت في مقتبل العمر ولسوف أتوب، فالموت لا يعرف صغيرا ولا كبيرا ولا شابا ولا شيخا ولا غنيا ولا فقيرا ولا وزيرا ولا أميرا ولا رجالا ولا نساء فيقول تعالي ” وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ” فيا أيها العبد الضعيف ويا أيها العبد الفقير إلى رحمة ربه، كم تماديت وكم تعاليت على ربك وهو القوي شديد العقاب الذي له ملك السموات والأرض، الغني عن طاعتك، من الذي سيجادل عنك في قبرك ويوم أن تحشر وحدك، أتركت الصلاة يائسا من رحمة الله “إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” أم تركت الصلاة آمنا من مكر الله تعالي ” فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون” أم هل ضمنت الجنة وأمنت من النار، ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم يقول ” والله ما أدري ما يفعل بي وأنا رسول الله “