خصلة قبيحة لعنتها كل الشرائع السماوية بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الأربعاء الموافق 18 ديسمبر 2024 الحمد لله بما أسدى والشكر له ما تنسمت علي الخلائق جدواء، فأي آلاء الله أحق أن تُشكر؟ أجميل أظهره؟ أم قبيح ستره وما أبدى؟ ولم تزل آلاء ربك تتوالى، ما منّ ربك عطائه، وما أكدي وما أكدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم “لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة” فإن أقسى شيء أن تطعن الأمة من رجالها وأبناء جلدتها، فما أشدها من طعنة، وما أبشعها من نكسة، وما أقساها من محنة، إنها الخيانة القبيحة بكل صورها التي لعنتها كل الشرائع السماوية والقوانين الأرضية.
وكفى بالخائن إثما أنه إبتاع دنياه بسوء السيرة وآخرته بغضب الرحمن، ولقد ورد لفظ الخيانة في سورة الأنفال في ثلاث آيات، قال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون” وكما قال تعالي ” وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين” وكما قال تعالي “وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم” وفي كل آية يرد اللفظ مرتين، وهو ما لم يحدث في أي سورة من سور القرآن الكريم، ودلالة هذا التكرار تفيد الإنتباه لأهمية الأمر خاصة أن سورة الأنفال هي سورة الجهاد والقتال، ولقد بدأت السورة بأول معركة للمسلمين ألا وهي غزوة بدر وهو ما يلفت النظر للحذر من الخيانة التي تكونه خاصة في المعارك.
ويقول سيد قطب رحمه الله إن الإسلام يكره الخيانة، ويحتقر الخائنين الذين ينقضون العهود، ومن ثم لا يحب للمسلمين أن يخونوا أمانة العهد في سبيل غاية مهما تكن شريفة، وإن النفس الإنسانية وحدة لا تتجزأ، ومتى استحلت لنفسها وسيلة خسيسة، فلا يمكن أن تظل محافظة على غاية شريفة، وليس مسلما من يبرر الوسيلة بالغاية، فهذا المبدأ غريب على الحس الإسلامي والحساسية الإسلامية، لأنه لا إنفصال في تكوين النفس البشرية وعالمها بين الوسائل والغايات، وإن الشط الممرع لا يغري المسلم بخوض بركة من الوحل، فإن الشط الممرع لابد أن تلوثه الأقدام الملوثة في النهاية، ومن أجل هذا كله يكره الله الخائنين ويكره الله الخيانة، وقال تعالى في سورة الحج “إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور”
وصرح جل وعلا في هذه الآية الكريمة بأنه لا يحب كل خوان كفور، والخوان والكفور كلاهما صيغة مبالغة، والمقرر في علم العربية أن نفي المبالغة في الفعل لا يستلزم نفي أصل الفعل، وعلى هذه القاعدة العربية المعروفة فإن الآية قد صرحت بأن الله لا يحب المبالغين في الكفر والمبالغين في الخيانة، ولم تتعرض لمن يتصف بمطلق الخيانة ومطلق الكفر من غير مبالغة فيهما، ولا شك أن الله يبغض الخائن مطلقا والكافر مطلقا، وقد أوضح سبحانه وتعالي ذلك في بعض المواضع، فقال تعالي في الخائن “وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين” وقال في الكافر “قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين” وقال القاسمي وصيغة المبالغة فيهما لأنه في حق المشركين وهم كذلك، ولأن خيانة الله وكفران نعمته لا يكون حقيرا بل هو أمر عظيم.