مقال

دليل على كرم السجية وطيب المنبت

جريدة الأضواء المصرية

دليل على كرم السجية وطيب المنبت
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 8 ديسمبر 2024
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إن هناك أحاديث منتشرة لا تصح ومنها حديث “أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضالة‏؟‏ قال‏ نعم فضالة يا رسول الله قال‏‏ ماذا كنت تحدث به نفسك‏؟‏ قال‏‏ لا شيء، كنت أذكر الله قال‏ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال‏ أستغفر الله، ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبه فكان فَضالة يقول‏‏ والله، ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إليّ منه‏، قال فضالة فرجعت إلى أهلي، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها.

فقالت‏ هلمّ إلى الحديث، فقلت‏ لا، وإنبعث فضالة يقول‏ قالت هلم إلى الحديث فقلت لا يأبى عليك الله والإسلام لوما رأيت محمدا وقبيله بالفتح يوم تكسر الأصنام لرأيت دين الله أضحى بينا والشرك يغشى وجهه الإظلام” والدرجة لهذا الكلام لا يصح، ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى أن خلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يقر الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤدي أمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى الرجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا إمتنع من فاحشة، وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤدي شيئا من الأمور المفترضة عليه.

ولم يرع لمخلوق حقا، ولم يصل له رحما ولا برّ له والدا فإن الباعث على هذه الأفعال إما ديني، وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإما دنيوي علوي وهو حياء فاعلها من الخلق، فقد تبيّن أنه لولا الحياء إما من الخالق أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها، ثم قال رحمه الله إن للإنسان آمرين وزاجرين، آمر وزاجر من جهة الحياء، فإذا أطاعه إمتنع من فعل كل ما يشتهي، وله آمر وزاجر من جهة الهوى والطبيعة، فمن لم يطع آمر الحياء وزاجره، أطاع آمر الهوى والشهوة ولا بد، وإن من فوائد الحياء وثماره هو هجر المعصية خجلا من الله سبحانه وتعالى، والإقبال على الطاعة بوازع الحب لله عز وجل، وكما أن الحياء يبعد عن فضائح الدنيا والآخرة، ويكسو المرء الوقار فلا يفعل ما يخل بالمروءة والتوقير ولا يؤذي من يستحق الإكرام.

وهو دليل على كرم السجية وطيب المنبت، ومن إستحى من الله تعالي ستره الله في الدنيا والآخرة، فهو ستر من العيوب، لذلك قال الأصمعي سمعت أعرابيا يقول من كساه الحياء ثوبه لم يري الناس عيبه، والحياء حياة للقلب، فإن الحياء مشتق من الحياة، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه “من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه” ويعدّ صاحبه من المحبوبين عند الله تعالي وعند الناس، وكما أن الحياء يدفع المرء إلى التحلي بكل جميل محبوب، والتخلي عن كل قبيح مكروه، ومن قوي حياؤه صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه، وكان ذكره محمودا وعند الله مرفوعا، فاتقوا الله عباد الله حق تقواه، وسارعوا دائما إلى مغفرته ورضاه فقد فاز وسعد من أقبل على مولاه، وخاب وخسر من اتبع هواه وأعرض عن أُخراه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى