الحياء من الملائكة بقلم / محمـــد الدكـــروري اليوم : الاثنين الموافق 2 ديسمبر 2024 الحمد لله، أعظم للمتقين العاملين أجورهم، وشرح بالهدى والخيرات صدورهم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفّق عباده للطاعات وأعان، وأشهد أن نبيّنا محمدا عبد الله ورسوله خير من علَّم أحكام الدين وأبان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الهدى والإيمان، وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان، وسلّم تسليما مزيدا ثم أما بعد، لقد قسم لنا العلماء الحياة أربعة أقسام فقالوا بأن حياء العبد من الله ومن الملائكة ومن الناس ومن نفسه، وأما عن الحياء من الملائكة، فإنه فمن المعلوم أن الله قد جعل فينا ملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار، وهناك ملائكة يصاحبون أهل الطاعات كالخارج في طلب العلم والمجتمعين على مجالس الذكر والزائر للمريض وغير ذلك.
وأيضا هناك ملائكة لا يفارقوننا وهم الحفظة والكتبة، حيث قال تعالي ” وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين ” فعلى المؤمن إذن أن يستحي من الملائكة الكرام، فالحياء من الكريم من صفات الكرام ولا ألأم ممن لا يستحيي من الكريم، ويكون ذلك بالبعد عن المعاصي والقبائح وإكرامهم عن مجالس الخنا وأقوال السوء والأفعال المذمومة المستقبحة، ويقول عبد الرحمن ابن أبي ليلى في قوله تعالى ” وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ” ما على أحدكم إذا خلى أن يقول اكتب رحمك الله فيملي خيرا” ومراده من ذلك أن يحسن العمل فيكتب الكاتبون في صحائفه خيرا حياء من الله ومن ملائكته، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله، فإستحيوهم وأكرموهم ” رواه الترمذي.
وقال الرازي في تفسيره إن الإنسان إذا علم أن الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب لأن من آمن يعتقد جلالة الملائكة وعلو مراتبهم، فإذا حاول الإقدام على معصية وإعتقد أنهم يشاهدونها زجره الحياء منهم عن الإقدام عليها كما يزجره عنها إذا حضره من يعطيه من البشر، وإذا علم أن الملائكة تحصي عليه تلك الأعمال كان ذلك أيضا رادعا له عنها وإذا علم أن الملائكة يكتبونها كان الردع أكمل” وأما حياؤه من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح وقد روى أن حذيفة بن اليمان أتى الجمعة فوجد الناس قد انصرفوا، فتنكب الطريق عن الناس وقال لا خير فيمن لا يستحي من الناس، وقارن بين ذلك وبين من يجاهرون بالزنا والمسكرات وإفطار رمضان وفعل جميع المنكرات دون وازع من دين أو خلق أو حياء.
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول “كنت رجلا مذاء فكنت أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد فسأله، فقال يغسل ذكره ويتوضأ ” متفق عليه، وكان الربيع بن خثيم من شدة غضه لبصره وإطراقه يظن بعض الناس أنه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة، فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود مِن قولها، وكان إذا دق الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقا غاضا بصره” ولما احتضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له ما هذا الجزع؟ قال ما لي لا أجزع؟ ومن أحق مني بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة من الله لأهمني الحياء منه مما قد صنعت، وإن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييا منه”