عصر شروق شمس الرسالة المحمدية بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي نوّر بالقرآن القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت بلاغته البلغاء، وأعجزت حكمته الحكماء، أحمده سبحانه وتعالي وهو أهل الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله المصطفى، ونبيه المرتضى، معلم الحكمة، وهادي الأمة، صلى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد أيها المسلمون لقد عاش الناس قبل شروق شمس الرسالة المحمدية فترة من الزمن في دياجي حالكة، وسلكوا مسالك للحق غير سالكة، فعبدوا الشجر والحجر، والصنم والبشر، والنجوم والنار والهوى، فمقتهم الله جميعا عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب الباقين على الحق، ومع هذا الإنحدار الروحي كانوا يعيشون حياة سياسية ذليلة مضطربة.
وحياة إقتصادية منهارة، وحياة إجتماعية متفككة، حتى أذن الله تعالي ببزوغ الحق من غار حراء فبعث الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة، منّة عظيمة، وعطية كريمة من المنان الكريم، فأرسل الله تعالى محمدا عليه الصلاة والسلام بدين الإسلام لينقذ البشرية من دياجير الخرافة إلى نور الحقيقة، ومن ضيق الذل إلى سعة العز، ومن أوحال الخطيئة إلى سماء الفضيلة، ومن ذيول التبعية، إلى هام القيادة، ومن ظلام الجهل إلى صفاء المعرفة والعلم، عند ذلك أصبح الإنسان يعرف معبوده الحق سبحانه وتعالى، ويعرف نفسه، ويدري كيف يعيش، ولماذا يعيش، وإلى أين يصير؟ فإن هذا الدين نعمة الله العظمى على عباده الذي إرتضاه لهم وأكمله وأتمه، فهو دين كامل لحياة كاملة، يلبي جميع حاجات البشرية الروحية والمادية.
ويصلح حياة الناس الدينية والدنيوية، وينظم شؤون الدولة والمجتمع، فنُظم الحياة التعبدية والسياسية والإقتصادية والقضائية والعسكرية والإجتماعية وغيرها تضمنها وضبطها ونظمها بنظام دقيق، فليس هناك دين يشجع على المعرفة النافعة و يوائم بين العقل والعلم إلا الإسلام، والاكتشافات الطبية والعلمية برهان على هذا، وهو دين يتسم بالديمومة والبقاء والإستمرار والنماء، لا يغيره تغير الزمان والمكان والأجيال والأحداث لأنه التشريع الذي كتب الله تعالي له الأبدية إلى قيام الساعة، وأبّده العليم القدير، الحكيم الخبير، وهو دين سهل ميسر لا حرج فيه ولا مشقة ولا آصار فيه ولا أغلال، ولا تضييق ولا إكراه، وهو وسط بين الإفراط والتفريط، يعطي الروح حظها كما يعطي البدن حقه، وإذا إهتم بالجماعة فإنه لم ينس الفرد، فأعطى كل ذي حق حقه.
فصارت الأمة به أمة الوسط بين الأمم، كما صار هو الوسط بين الأديان، وهو دين السلام والأمن العام، ونشر السكينة والإستقرار، وإزالة الخوف والإضطراب، والفساد والظلم، فلذلك جاء ليحافظ على الضروريات الخمس التي فيها أعلى مصالح البشرية، وبانتهاكها ذهاب الحياة كلها، وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه” وبعد حفاظه على الضروريات وسّع عليهم في الحاجيات التي هي مشهد من مشاهد اليسر والسعة كالرخص في السفر وغير ذلك، وحقق لهم بعد هذا تمام النعمة بإباحة الأمور التحسينية المشروعة والتي بها صلاح الحياة السعيدة، والإستمتاع بفضل الله على عباده.
والمتتبع يجد أن ما حرم الله على عباده مما لهم فيه مصلحة عاجلة أو آجلة يجده قليلا بجانب ما أباح لهم تصريحا أو بالبقاء على البراءة الأصلية إذ الأصل في الأشياء الإباحة.