مقال

أنواع النعم الدينية

جريدة الأضواء المصرية

أنواع النعم الدينية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأثنين الموافق 4 نوفمبر 2024
الحمد لله ثم الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، نحمده سبحانه أحاط بكل شيء خبرا، ونحمده بأن جعل لكل شيء قدرا، وأسبغ علينا وعلى العالمين من حفظـه سترا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين كافة عذرا ونذر، اللهم صلي على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم ووالاهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد، يا أيها الإخوة المؤمنون كبّروا الله عز وجل وعظموه، واشكروه على ما ترادفت به نعمه، وما توالت به آلاؤه، فإن أهل الإسلام لا يزالون يتقلبون في أنعم الله جل وعلا فوق ما لغيرهم من النعم، ونعم الله جل وعلا شاملة للعالمين، ولأهل الإسلام بما جعل الله جل وعلا لهم من هذه الشرعة العظمى مزيد إنعام.

ولا يزال المسلمون يتقلبون بين أنواع النعم الدينية على وجه الخصوص التي جاءت من خلال هذه الشرعة العظيمة التي كملها رب العزة ورضيها لنا دينا، فما أكمله من دين وما أجملها من شرعة، وما أهنأها من عبادة تتوالى في كل لحظة تمر بالمؤمن، صلاة تلو صلاة، ورمضان بعد رمضان، وحج وعمرة وزيارة، وذكر وتلاوة للقرآن، وبر للوالدين وصلة للأرحام، وغير ذلك من أنواع التعبد لله جل وعلا، وهذه العبادات التي يجد آثارها المسلمون كلما قربوا منها، وكلما عنوا بها، وكلما كانوا أشد صلة بها، وهذا أمر مشاهد يجده المسلم حينما ينصرف من صلاته، فيجد تلك الراحة والطمأنينة التي تغشى قلبه، وتختلط بروحه، ولا يمكن أن تفسّر بشيء من أمور الدنيا إلا بما جعله الله تعالى من خصائص هذه العبادات، وهي أنها تورث لذة وراحة وطمأنينة في قلب من باشرها.

وهكذا العبادات الأخرى، فحينما يباشر المسلم الصيام يجد له تلك الراحة والطمأنينة، رغم الجوع والعطش الذي ربما أصابه لدى صيامه، ولكنه يجد في نهاية يومه وفي تمام شهره، وعند لقاء ربه بإذن الله الفرح واللذة فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم “للصائم فرحتان يفرحهما يفرح عند فطره، ويفرح عند لقاء ربه” وهكذا العبادات الأخرى فحينما يشرف المؤمن بتلاوة كلام ربه يجد من الراحة والطمأنينة ما لا يمكن وصفه، وحينما يلهج لسانه بذكر الله تعالى يجد هذه الطمأنينة التي لا يمكن أن تحصل من سبيل آخر، ولذا لن تحصّل أيها الإخوة المؤمنون لذة في هذه الحياة كما تحصّل من خلال طاعة الرحمن جل وعلا، ويدل على هذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي قلابة رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال.

“ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار” وهذه الحلاوة التي يجدها المؤمن حلاوة حقيقية هي طعم الإيمان، ذلك أن الإيمان له حلاوة طعم يذاق بالقلوب، كما تذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم واللسان، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها، كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته، فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل ربما استحلى ما يضره وما ليس فيه حلاوة، وذلك لغلبة السقم عليه، ولوجود المرض في بدنه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان إذا سلم من الأسقام والآفات، فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة، وجد حلاوة الإيمان حينئذ.

ومتى مرض وسقم، فإنه لن يجد حلاوة للإيمان، بل إنه ربما إستحلى مع وجود هذا المرض في قلبه والشبهات التي تعلق به، والشهوات المحرمة التي صرفته عن طاعة الله، ربما صارت هي هجيراه، وهي مطلبه الذي يتوجه إليه، وهذا يكون به هلاكه عياذا بالله من كل ذلك ولذا قال عليه الصلاة والسلام “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن” ذلك أنه إذا ضعف إيمانه، ولم يتلذذ بالطاعات، وإستحلى المحرمات صار متوجها لها، وبذلك يعلم أيها الإخوة المؤمنون أن الإنسان لو أنه كمل في إيمانه وطاعته لربه أو قارب ذلك فإنه سيستغني عن إستحلاء المعاصي، وهذا ما يفسر قول بعض السلف “إن أهل الليل في ليلهم أعظم لذة من أهل المعاصي في عصيانهم، وأهل الأهواء والشهوات في شهواتهم”

ويعني بذلك أن أهل الليل حينما يتهجدون تقربا لمولاهم جل وعلا يجدون لذة وراحة وطمأنينة أعظم من لذة أصحاب الشهوات التي يجدونها بطبعهم الإنساني، ولكن اللذة بالقرب من الرحمن لا يمكن مقارنتها ولا مشابهتها بأي لذة من لذائذ هذه الحياة الدنيا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى