مقال

رابعة القيسية العدوية البصرية

رابعة القيسية العدوية البصرية
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 23 أكتوبر 2024
الحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك رضينا بالله تعالى ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا ورسولا ثم اما بعد ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن العابده الزاهده رابعه العدوية، وقيل هي رابعة ابنة إسماعيل مولاة آل عتيك وهي رابعة القيسية العدوية البصرية وسميت رابعة لأنها كانت الرابعة في الميلاد يسبقها ثلاثة، وسميت بالقيسية لأنها من بطن من بطون قبيلة قيس، وسميت بالعدوية لأن أسرتها من بنى عدوة، وسميت بالبصرية لأنها ولدت في البصرة في القرن الثاني للهجرة فى العام الذى بدأ فيه الحسن البصرى مجالس تعليمه حيث كانت البصرة تعج بالعلماء والفقهاء والزهاد وتمتلئ بقصور الأغنياء وأكواخ الفقراء وعاشت بها ردحا من الزمن.

ولقبها ابن خلكان بأم الخير لسعيها في أوجه الخير، وولدت رابعة في البصرة عام خمسة وتسعون من الهجرة، في القرن الثاني للهجرة في أحد الأكواخ الفقيرة بطرف من أطراف البصرة لرجل صالح وكان الناس يسمون هذا الكوخ، كوخ العابد، وذلك لتقوى الوالد وإيمانه، فنشأت رابعة بين أبوين فقيرين وكان لها ثلاث أخوات بنات سبقنها إلى الحياة، وفي هذه البيئة الإسلامية الصالحة ولدت رابعة العدوية فكانت رابعة منذ صغرها فتاة لبيبة عاقلة ذكية، زاهدة عابدة متهجدة، وقد عنيت رابعة منذ صغرها بحفظ القرآن الكريم وترتيله، وكلما حفظت سورة من السور أخذت تكررها وتعيدها في ترتيل وتجويد مع الخشوع وتدفق الدموع حتى حفظت القرآن الكريم في سن صغيروتدبرت آياته وقرأت الحديث تدارسته وحافظت على الصلاة وهي في عمرالزهور.

وما لبث أن مات أبيها ثم لحقت به زوجته وبقيت رابعة يتيمة مع أخواتها البنات الثلاث ولم يترك الوالدان لبناتهما من أسباب الحياة ووسائل العيش سوى قارب ينقل الناس في نهر دجلة من شاطىء إلي شاطىء مقابل دراهم معدودة، فرآها لص أثيم فتربص لها حتى وجدها مشردة منفردة، فأخذها مدعيا رقها وباعها لتاجر ثرى بستة دراهم، وكان رجل غليظ القلب قاسي المشاعر أذاقها العذاب ألوانا وهو الذي أذاقها طعم البلاء، وسامها سوء العذاب وذاقت تحت يده ذل الرق والعبودية، وغير أن هذا لم يطفئ ذلك القَبَس الإيماني في قلبها، فكانت تناجي ربها باكية ” إلهي أنا يتيمة معذبة أرسف في قيود الرق وسوف أتحمل كل ألم وأصبر عليه، ولكن عذابا أشد من هذا العذاب يؤلم روحي ويفكك أوصال الصبر في نفسي، منشؤه ريب يدور في خلدي، هل أنت راضعني؟

تلك هي غايتي، وكانت تؤدي عملها في بيت سيدها بما يرضي ضميرها وتؤدي فريضة ربها في إخلاص وتفاني، وإستيقظ سيدها ذات ليلة فسمعها تناجي وهي ساجدة فتقول إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمتك، ولو كان الأمربيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك، لكنك تركتني تحت رحمة مخلوق قاسي من عبادك” ويقال أنه بينما هو يراقبها، إذ يخطف انتباهه إنبلاج ضوء حولها ويري فوق رأسها مصباحا ميئا غير معلق بشيء ففزع له فتعرف الرحمة طريقها إلى قلبه، وفي الصباح يدعوها أي رابعة، وهبتك الحرية فإنشئت بقيت هنا ونحن جميعا في خدمتك، وإن شئت رحلت أنّى رغبت، فما كان منها إلا أن ودعته وإرتحلت لتبدأ مرحلة جديدة.

وهذه هي المرحلة التي يحاول المستشرقون تشويهها والإساءة فيها إلى سيرتها، فقد جعلت المساجد دارها وإحترفت العزف على الناي في حلقات الذكر وساحات المتصوفة، والأناشيد في دنيا التصوف، وعزف الناي عند المتصوفة ليس نكرا ولا بدعا، بل هو يبعث الوجد ويحرك القلب ويحلق بسامعه، ولكنها سرعان ما إعتزلتها وإعتزلت الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى