العوامل المعنوية التي تأتي بالنصر بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين أحق من شكر وأولى من حمد، وأكرم من تفضل وأرحم من قُصد، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوه وراقبوه، وتوبوا إليه ولا تعصوه، ثم أما بعد إن هناك العوامل المعنوية التي تأتي بالنصر، وأولها الإيمان وتربية العقيدة ونلاحظ أهمية هذا العنصر في أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ظل بين قومه يبلغهم دعوته قرابة خمس عشرة سنة وكان أصحابه يلاقون الذل والهوان وأشكال العذاب وصنوف البلاء من أعدائهم طوال بقائهم في مكة وكانوا يتحمسون لرد العدوان الواقع عليهم ولكن القرآن لم يأذن لهم في ذلك لأنها كانت فترة تربية على العقيدة وترسيخ لمبادئ الإيمان في نفوسهم حتى إذا ما تغلغل اليقين الذي لا يخالجه شك.
وأطمانت نفوسهم بالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر أذن لهم بعد ذلك بالقتال فقال تعالي كما جاء في سورة الحج “أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها أسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” وعندما نتكلم غزوة مؤتة أو سرية مؤتة، فهي غزوة وقعت في جمادي الأول من العام الثامن للهجرة بسبب قتل الصحابي الحارث بن عمير الأزدي رسول النبي محمد صلي الله عليه وسلم إلى ملك بصرى على يد شرحبيل بن عمرو بن جبلة الغساني والي البلقاء الواقع تحت الحماية الرومانية إذ أوثقه رباطا وقدمه فضرب عنقه، وكان سبب هذه المعركة أن النبي المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم.
بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم بُصرى، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني وكان عاملا على البلقاء من أرض الشام من خلال قيصر الروم فأوثقه رباطا ثم قدمه فضرب عنقه، وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فإشتد ذلك على النبي محمد صلي الله عليه وسلم حين نقلت إليه الأخبار، فجهز إليهم جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي لم يجتمع مثله قبل ذلك إلا في غزوة الخندق، وقد جعل الرسول صلي الله عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال صلي الله عليه وسلم ” إن قُتل زيد فجعفر، وإن قُتل جعفر فعبد الله بن رواحة” وعقد لهم لواء أبيض ودفعه إلى زيد بن حارثة، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا الناس هناك إلى الإسلام.
فإن أجابوا وإلا إستعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، وقال صلي الله عليه وسلم لهم ” اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَن كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة، ولا كبيرا فانيا، ولا منعزلا بصومعة، ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة، ولا تهدموا بناء” وقد خرجت نساء المسلمين لتوديع أزواجهن وهن يقولون “ردكم الله إلينا صابرين” فرد عبد الله بن رواحه وقال “أما أنا فلا ردني الله” وعند مدينة مؤتة توقف المسلمين وكان عددهم ثلاثة آلاف وعدد الغسانين والروم مائتين ألف، وإختار المسلمون بقيادة زيد بن حارثة، الهجوم على المشركين وتم الهجوم بعد صلاة الفجر وكان اليوم الأول هجوما قويا، في صالح المسلمين لأن الروم والغساسنة لم يتوقعوا من جيش صغير البدء بالهجوم.
وفي اليوم الثاني بادر المسلمون أيضا بالهجوم وكان من صالح المسلمين، وقتل كثير من الروم وحلفائهم، أما في اليوم الثالث فقد بادر الروم بالهجوم وكان أصعب وأقوى الأيام وفيه إستشهد زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحه، وإختار المسلمون خالد بن الوليد رضي الله عنه، قائدا لهم.