مقال

عصبية التقاليد والعادات

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عصبية التقاليد والعادات
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الإحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد ظهر في زماننا أناس يعرضون أيات الله تعالي على العامة ويجادلونهم فيها بغير علم، وينفرونهم من كتب التفسير المرغوبة التي تفسر القرآن بالقرآن، وتفسر القرآن بالسنة، بحجة إستعمال العقل وتعظيمه في حين ما يحق له أن يعظم هو كلام الله تعالي وسموا صنيعهم هذا تأويلا، واشتهروا بأنهم أهل التأويل، فضلوا كثيرا وأضلوا، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون وإذا قيل لهم اتقوا الله أخذتهم العزة بالإثم.

ولقد جعلت الدعاية والتقليد الأعمى كثيرا من الناس، وربات المنزل يعطلن وظيفتهن المنزلية في إنتاج بعض الغذاء، والإستعاضة عنها بالمعلبات والأطعمة الجاهزة، والإعتماد على كل ما هو جاهز ومعلب يدفع إلى الكسل والخمول الجسمي والعقلي والثقافي المستورد على شكل أفكار وإعلام معلب من البرامج والمسلسلات الأجنبية المستوردة لتعبئة ساعات البث التلفزيوني، وإن التقليد أنواع ومنها التقليد المحرم بالنص والإجماع وهو أن يعارض قول الله تعالي ورسوله صلى الله عليه وسلم بما يخالف ذلك، كائنا من كان المخالف لذلك، ومنها التقليد المذموم القبيح في الشرع وهو الرجوع إلى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة، فيقول المقلد بقوله وهو لا يعرف وجه القول، ولا معناه، فهو تقليد بلا تعقل أو إدراك.

وفي مثل هذا النوع قال ابن مسعود رضي الله عنه ” ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر” ومنها التقليد الممدوح وهو أن يتبع المقلد القائل على ما بان له، أي المقلد من صحة قوله أي المقلد وصحة مذهبه، وهذا يسمى الإتباع لا التقليد، وبعبارة أخرى كل من اتبعت قوله، من غير أن يجب عليك اتباع قوله، لدليل يوجب ذلك، فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والإتباع في الدين مسوغ والتقليد ممنوع، ورغم رسوخ عصبية التقاليد والعادات في المجتمع العربي، في الماضي والحاضر فقد استهدفت الدعوة الإسلامية هدم كثير من التقاليد الأصلية أو الفرعية، أو تعديلها، كالشرك على أنواعه، وكالعصبية الاجتماعية الضيقة.

وما كانت تتشدد فيه من حزبيات عائلية وقبلية، إلى آخر ما شرع لهم آباؤهم، فذلك كله نقاط اصطدام وتشاد وبواعث مناوأة ومعارضة للدعوة النبوية، منذ أول عهدها، وظلت كذلك إلى آخر العهد، فقد رفعت قريش راية التقليد والأعراف والعادات المرتبطة بالأجداد والآباء، لا المرتبطة بمضامين الحق والعدل والقسط، وهي الراية التي ترفع في التصدي لدعوة الله، حتى هذا اليوم، وهي ذات الحجة التي أجاب بها أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه هرقل، ضمن استجوابه له بسؤاله ماذا يأمركم؟ فقال يقول “اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم” وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على قومه أن يأسروا أنفسهم للتقاليد الموروثة، دون تفكر منهم في مدى صلاحها أو فسادها، ودعاهم إلى تحرير عقولهم من أسر الإتباع الأعمى.

ويكفي المرء أن يطالع خطبه رسول الله صلى الله عليه سلم بعد الفتح ليرى أثر الإسلام في محو ‎شعائر الجاهلية ومآثرها ومفاخرها، ووضع الأسس الإسلامية بدلا منها، معتقا بذلك أعناق الناس من أغلال هذه التقاليد المتوارثة، وهذا الوضع كثيرا ما يواجه الدعاة في العصر الحديث، حتى في المجتمعات الإسلامية، عندما يبتعد الناس عن هدى الله وسنة نبيه، وتصبح العادات والتقاليد هي المسيرة للناس في هذا المجتمع، وهي الشرع الذي يتمسك به الناس، وإذا حاول الداعية ردهم إلى جادة الحق وسبيل الهدى، واجهوه بإستنكار شديد، مرددين مقولة الجاهلين من قبلهم ” بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون” وهذا التقليد الذميم للباطل القديم الذي كان عليه الآباء والأجداد من أعظم أسباب التمرد على الحق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى