مقال

إن حمى الله محارمه

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن إن حمى الله محارمه
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظلم الشهوات، وأخلص عقولهم عن ظلم الشبهات، أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة، وبراهين عظمته القاهرة، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله، واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات، شهادة تقود قائلها إلى الجنات وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، والمبعوث إلى كافة البريات، بالآيات المعجزات، والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة، وأصحابه الفضلاء الثقات، وعلى أتباعهم بإحسان، وسلم كثيرا ثم أما بعد من استطاع منكم أن يؤثر الله تعالي في كل مقام فليفعل، وهذا ابن هبيرة وكان واليا على العراقين والمقصود بالعراقين هما البصرة والكوفة في عهد الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك.

وكان يزيد يرسل إليه بالكتاب بعد الكتاب ويأمره بتنفيذ ما في تلك الكتب حتى ولو كان مخالفا للحق أحيانا، فدعا ابن هبيرة عالمين هما الحسن البصري وعامر الشعبي يستفتيهما في ذلك، هل له مخرج في دين الله أن ينفذ تلك التعليمات بما فيها من مخالفة للدين ؟ فأجاب الشعبي جوابا فيه ملاطفة ومسايرة والحسن ساكت، فالتفت ابن هبيرة إلى الحسن وقال ما تقول يا أبا سعيد ؟ فقال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، واعلم أن الله عز وجل يمنعك من يزيد، وأن يزيد لا يمنعك من الله، يا ابن هبيرة إنه يوشك أن ينزل بك ملك غليظ شديد لا يعصي الله ما أمره، فيزيلك عن سريرك، وينقلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك حيث لا تجد هناك يزيد، وإنما تجد عملك الذي خالفت فيه رب يزيد يا ابن هبيرة إنك إن تكن مع الله وفي طاعته يكفك بائقة يزيد.

وإن تكن مع يزيد في معصية الله فإن الله يكلك إلى يزيد، فبكى ابن هبيرة حتى بللت دموعه لحيته، ومال عن الشعبي إلى الحسن وبالغ في إعظامه وإكرامه، فلما خرجا من عنده توجها إلى المسجد فاجتمع عليهما الناس وجعلوا يسألونهما عن خبرهما مع ابن هبيرة، فالتفت الشعبي إليهم وقال أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله عز وجل على خلقه في كل مقام فليفعل فوالذي نفسي بيده ما قال الحسن لإبن هبيرة قولا أجهله، ولكني أردت فيما قلته وجه ابن هبيرة، وأراد الحسن وجه الله فأبعدني الله منه، وقرب الحسن وحببه إليه، فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فيجب على التاجر المسلم أن يكون في تجارته من الدعاة المخلصين إلى الله تعالى، فيحث الناس على الخير، ويمنعهم ويحذرهم من الشر، قدر استطاعته، بالحكمة والموعظة الحسنة.

فعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “مَن رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم، وكما يجب على التاجر المسلم أن يسأل أهل العلم عما يجهله من أمور الحلال والحرام، وأن يتجنب الوقوع في شبهات البيع والشراء، فعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه “إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدِينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب” رواه البخاري ومسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى