مقال

لا غُرم على الشهود

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن لا غُرم على الشهود
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إنه ليس للإحسانِ بيئة واحدة, ولا يحدّ بحدود، ولا يقف عند أسلوب واحد أو طريقة محددة، فبحره لا ساحل له وأفقه ليس أوسع منه وهو باب الأمة المفتوح، فعليك أن تبادر بما وهبك الله من عطاءات وأن تحسن بما أعطاك الله من إمكانات, وأن تنشر الحق وتبذل المعروف وتقدم الخير فأنت بدينك وأخلاقك وما تملك تستطيع أن تفعل وتحسن أضعاف ما تقدمه الآن من إحسان, واعلم أن إخوانك بحاجة إليك وأن الأمة تنتظر منك الكثير والكثير، فقال ابن القيم رحمه الله ” من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه.

ومن نفعهم نفعه ومن سترهم ستره ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله تعالى لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه” وأما عن تضمين شهود الزور، فإنه متى علم أن الشهود شهدوا بالزور، تبين أن الحكم كان باطلا، ولزم نقضه وبطلان ما حكم به، ويضمن شهود الزور ما ترتب على شهادتهم من ضمان، فإن كان المحكوم به مالا، رُد إلى صاحبه، وإن كان إتلافا، فعلى الشهود ضمانه، لأنهم سبب إتلافه، وذهب الشافعية والحنابلة، وأشهب من المالكية، إلى وجوب القصاص على شهود الزور إذا شهدوا على رجل بما يوجب قتله، كأَن شهدوا عليه بقتل عمد عدوانا، أو بردّة، أو بزنا وهو محصن، فقتل الرجل بشهادتهما، ثم رجعا وأقرا بتعمد قتله، وقالا تعمدنا الشهادة عليه بالزور.

ليقتل أو يقطع، فيجب القصاص عليهما، لتعمد القتل بتزوير الشهادة، وذلك لِما روى الشعبى، أن رجلين شهدا عند الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه، على رجل بالسرقة، فقطعه، ثم عادا، فقالا، أخطأنا ليس هذا هو السارق، فقال الإمام علي رضى الله عنه، لو علمت أنكما تعمدتما، لقطعتكما، ولا مخالف له في الصحابة، فيكون إجماعا، ولأنهما تسببا في قتله وقطعه بما يفضى إليه غالبا، فلزمهما القصاص كالمكره، وبه قال ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، وأبو عبيد، وكذلك الحكم إذا شهدوا زورا بما يجب القطع قصاصا في قَطع أو في سرقة، لزمهم القطع، وإذا سرى أَثر القطع إلى النفس، فعليهما القصاص في النفس، كما يجب القصاص على القاضي إذا قضى زورا بالقصاص، وكان يعلم بكذب الشهود، وتجب عليهما الدّية المغلظة إذا قالا تعمدنا الشهادة عليه.

ولم نعلم أنه يقتل بهذا، وكانا مما يحتمل أن يجهلا ذلك، وتجب الدية في أموالهما لأنه شبه عمد ولا تحمله العاقلة لأنه ثبت باعترافهما، والعاقلة لا تحمل الاعتراف، وإن رجع شهود القصاص أو شهود الحد بعد الحكم بشهادتهم وقبل الاستيفاء، لم يستوفى القود ولا الحد، لأن المحكوم به عقوبة لا سبيل إلى جبرها، إذا استوفيت بخلاف المال، ولأن رجوعَ الشهود شبهة لاحتمال صدقهم، والقَود والحد يدرأان بالشبهة، فينقض الحكم، ولا غُرم على الشهود، بل يعزّرون، ووجبت دية قود للمشهود له؛ لأن الواجب بالعمد أحد شيئين وقد سقط أحدهما، فتعيّن الآخر، ويرجع المشهود عليه بما غرمه من الدّية على الشهود، وقد ذهب الحنفية، والمالكية عدا أشهب، إلى أن الواجب هو الدّية لا القصاص، لأن القتل بشهادة الزور قتل بالسبب، والقتل تسببا لا يساوي القتل مباشرة.

ولذا قصر أثره، فوجبت به الدية لا القصاص، ويجب حد القذف على شهود إذا شهدوا بالزنا، ويقام عليهم الحد، سواء تبيّن كذبهم قبل الاستيفاء أم بعده، ويحدون في الشهادة بالزنا حدّ القذف أولا، ثم يقتلون إذا تبين كذبهم بعد استيفاء الحد بالرجم، وذلك عند الشافعية، لأنهم لم يقولوا بالتداخل في هذه المسألة، وأما عند الجمهور، فإن كان في الحدود قتل، فإنه يكتفى به، لقول أبي مسعود رضي الله عنه “ما كانت حدود فيها قتل إلا أحاط القتل بذلك كله” ولأنه لا حاجةَ معه إلى الزجر بغيره، واستثنى المالكية من ذلك حد القذف، فقد ذكروا أنه لا يدخل في القتل، بل لا بد من استيفائه قبله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى