توبة راقصة

توبة راقصة
وكان “وَجْدِي” كثيراً ما يخطئ في فهم آيات القرآن الكريم، وأحاديث السُّنة النبوية، مع عاطفة مشبوبة، ورغبة عارمة في التشدد والمجازفة، والتنطع واتباع الهوى.
التقى الصديقان مساءً بعد صلاة العشاء، فأخبر “رُشْدِي” صديقه “وَجْدِي” بـأنه يبحث له عن وظيفة معه في المؤسسة، وربما صارا زميلين من جديد قريباً، ثم ما لبث أن اجتمع الصديقان محاسِبَيْن في المؤسسة، وفَرِح كلاهما بالعمل الجديد الذي ضمهما، فجدَّدا الصُّحبة وتوثَّقت بينهما عُرى الصَّداقة في ظلال العمل وخلال ساعاته.
ومساءً عَقِبَ صلاة المغرب تحدث الصديقان عن رغبتهما في الارتباط والزواج..
رُشْدِي: أُفكر جدياً في الارتباط والخطوبة ثم الزواج.
وَجْدِي: كنت سأفاتحك في الموضوع ذاته.
رُشْدِي: سأبحث عن طريق أُسرتي ومَعارفي عن أُسرة طيبة الأصل، معروفة الكرم، نقية المصاهرة والنسب.
وَجْدِي: هذا زواج تقليدي، أنا سأبحث عن فتاة ضائعة لتتوب على يديَّ، ثم أتزوجها فأربح خيري الدنيا والآخرة.
رُشْدِي: أنا لا أحب أن أغامر في موضوع الزواج؛ فهو جِدُّ خطيرٍ لا يحتمل مغامرة ومخاطرة أو تجريب.
وَجْدِي: “الأجر على قدر المشقة”، {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
وَجْدِي: لِمَ تستغرب عليَّ عَزْمِي وقد روى أبو هريرة في الحديث المتفق عليه: “تُصُدِّقَ اليومَ على زَانِية”.
رُشْدِي: افْهَم يا “وَجْدِي”، المتصدق على الزانية إنما أراد كفها عن الفاحشة، كما أن التصدُّق يكون لحظة عابرة فلا ارتباط ولا زواج.
وبعد عدة أشهر..
وَجْدِي: أريدك في أمر مُهم بعد الانتهاء من العمل.
رُشْدِي: وأنا أيضاً سأخبرك بأمر سيُفرحك ويسُرك.
وفي طريق حافلة العمل إلى البيت..
وَجْدِي: خير يا صاحبي أسرع وبشِّر؟
رُشْدِي: ليس قبل أن تُفضي بسرِّك.
رُشْدِي: راقصة يا “وَجْدِي”؟!
وَجْدِي: ستتوب وتؤوب، وستُصلي وتَصُوم، وسنتزوج ونحج ونعتمر.
رُشْدِي: ولِمَ المخاطرة والمغامرة وغيرها كثيرات عفيفات فُضليات؟
وَجْدِي: في ارتباطي بها حبٌّ وإيمان، وصَدَقةٌ وإحسان، سأحفِّظها القرآن، ثم هي ستَتَحجَّب، وقد تنتقب.
رُشْدِي: أراك تُخاطر بدينك وسمعتك، وتؤجج عليك غضب والديك وأسرتك.
وَجْدِي: هذه حياتي ليست حياتهم، و”نَشْوَى” مرادي ومهجتي، وقَدَرِي وزوجتي.
رُشْدِي: “نَشْوَى”.. اسمها “نَشْوَى”.. هل أحببتَها؟
بحياتك يا ولدي امرأةٌ عيناها سبحان المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود، ضحكتها أنغامٌ وورود
والشَّعْر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا
قد تغدو امرأة يا ولدي يهواها القلب هي الدنيا
رُشْدِي: أراك قد وقعتَ في شِباك الهَوى وفِخَاخ الغَرام، وصِرْتَ صَرِيع الوَجْد والهُيام.
وَجْدِي: حُبي لـ “نَشْوَى” هدفه الزواج والإصلاح، وعِشقي لها غايته التوبة والفلاح.
رُشْدِي: وأبوك وأمك.. وإخوتك وأسرتك؟
وَجْدِي: لن أخبرهم إلا بعد الزواج والزفاف.
رُشْدِي: ألستَ معي في أن الأسلم في الزواج فتاةٌ كريمةُ النَّفْس نقيةُ الأصل؟
وَجْدِي: مِن فضلك لا تُعَرِّض بـ “نَشْوَى”، فهي من الآن وقبل العقد في ذِمَّتي وعِصْمَتِي!
وبعد عدة أشهر..
أما “وَجْدِي” فقد تزوج من الراقصة “نَشْوَى”، حيث اتفقا معاً على أن يسافرا إلى “مرسى مطروح” لقضاء شهر العسل، على أن يعودا إلى القاهرة ليبحثا عن شقة بإيجار جديد، أو أخرى مفروشة حتى حين.
وفي الوقت الذي كان فيه “رُشْدِي” و”ليلى” زوجَيْنِ يتغازلان..
رُشْدِي: ابتديت دلوقت بس أحب عمري
ليلى: ابتديت دلوقت أخاف لا العمر يجري
رُشْدِي: هات عنيك تسرح في دنيتهم عنيا
ليلى: هات ايديك ترتاح للمستهم ايديا
رُشْدِي: صالحت بيك أيامي
ليلى: سامحت بيك الزمن
رُشْدِي: نستني بيك آلامي
ليلى: ونسيت معاك الشجن
كانت “نَشْوَى” تتسلل لتغادر وحدها ذلك الفندق الذي نزلت فيه و”رُشْدِي” عروسَيْن، وذلك بعد مُضي ثلاث ليالٍ فقط.
“قد كنتَ حليلي فصرتَ طَليقي أو خليعي، إن لم تُطلقني خلعتُك، ظننتُك بحراً ستغمرني آلاؤه وأمواجُه، أو قمراً سيضيء حالك جنباتي بأنواره وأضوائه، فإذا بزواجنا كان نَزْوَة، وحبنا كان لَذَّة ونَشْوَة، لن أستطيع تحقيق مرادك بأن أرقُص لك وحدك، من الأفضل ألا تبحث عني”.
حين أفاق “وَجْدِي” من نومه، بحث عن “نَشْوَى” فإذا هي سراب، راجَع هاتفه، قرأ الرسالة، عندها تذكر “وَجْدِي” كلام صديقه “رُشْدِي” عن دَوْر الأسرة في التربية وبناء الشخصية.
دفع “وَجْدِي” حساب الإقامة لإدارة الفُندق، واستقل سيارة أُجرة إلى القاهرة.
ستفتِّش عنها يا “وَجْدِي” في كل مكان
وسترجع يوماً مهزوماً مكسور الوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر بأنك كنت تطارد خيط دُخان
فحبيبةُ قلبك يا “وَجْدِي” ليس لها أرضٌ أو وطنٌ أو عُنوان
ما أصعب أن تهوى امرأةً يا “وَجْدِي” ليس لها عنوان
ياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا “وَجْدِي”!