الدكروري يكتب عن يا من ذاق حلاوة الصيام بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله جعل الحمد مفتاحا لذكره، وجعل الشكر سببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، قضاؤه وحكمه عدل وحكمة، ورضاه أمان ورحمة، يقضي بعلمه، ويعفو بحلمه، خيره علينا نازل، وتقصيرنا إليه صاعد، لا نقدر أن نأخذ إلا ما أعطانا، ولا أن نتقي إلا ما وقانا، نحمده على إعطائه ومنعه وبسطه وقدره، البر الرحيم لا يضيره الإعطاء والجود، ليس بما سُئل بأجود منه بما لم يُسأل، مسدي النعم وكاشف النقم، أصبحنا عبيدا مملوكين له، له الحُجّة علينا ولا حُجّة لنا عليه، نستغفره ونتوب إليه مما أحاط به علمه وأحصاه في كتابه، علم غير قاصر وكتاب غير مغادر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله سيد البشر أجمعين ورسول رب العالمين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ثم أما بعد يا من ذاق حلاوة الصيام، لا تحرم نفسك منه بقية العام، واعلم أن الله شرع لك صيام الإثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأفضل الصيام صيام داود، فكان يصوم يوما ويفطر يوما، فإن ضعفت عن هذا، أو شغلت، فلا تغلبن على صيام الست من شوال فإن صيامها مع رمضان، يعدل صيام الدهر كله، فعن أبي أيوب الأنصارى رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر” رواه مسلم، ووجه ذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، فيكون رمضان عن عشرة أشهر، والست من شوال عن شهرين، ويا من كان يسأل ربه كل يوم ويدعوه في القنوت وعند الإفطار، لا تحرم نفسك من الدعاء بقية العام.
فإن الدعاء هو العبادة، كما قال الله سبحانه وتعالى ” وقال ربكم ادعونى استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين” فعبر عن الدعاء بالعبادة، فقال “عن عبادتي” والنبي صلى الله عليه وسلم يقول “الدعاء هو العبادة” رواه أبو داود والترمذى، وذلك أن الدعاء يجتمع فيه أركان العبادة الثلاثة على أكمل وجه وأتمه من كمال الحب والتعظيم، وكمال الخوف، وكمال الرجاء، فإنك حين ترفع أكف الضراعة إلى ربك، وأنت تعلم يقينا أن الخير كله بيديه، وأن عنده خزائن السموات والأرض، وأنه الرحيم الكريم، ذو الفضل العظيم، يحب الملحين في الدعاء، ويغضب على عبده إن لم يسأله، فإنه يمتلئ قلبك بمحبته، والشعور بعظيم فضله ومنته، كما أنك تتذكر ذنوبك وتفريطك في جنب الله، فتخاف من غضبه عليك، وحرمانه إياك خير ما عنده بسوء ما عندك.
وأن يرد دعائك بسبب ذنوبك، وهذا هو كمال الخوف، ثم تتذكر وأنت منكسر بين يديه، رافع أكف الضراعة إليه، أنه حيي كريم، تواب رحيم، واسع الفضل والمغفرة، عظيم المن والإحسان، مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها، متفضل على عباده قبل السؤال، فكيف به بعد السؤال؟ فيحملك ذلك على رجائه بصدق، والطمع بفضله ورحمته، وهذا هو كمال الرجاء، وكما أن الدعاء عبادة من أجل العبادات، فهو من أعظم أسباب جلب المحبوبات، ودفع المكروهات، وهو سلاح المؤمن وعدته في الشدة والرخاء، ولذلك أمر عباده بسؤاله وحضهم عليه، وآجرهم على ذلك، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم “من لم يسأل الله يغضب عليه” فالله تعالى يغضب على عبده إن لم يسأله، لكمال رحمته بعباده، وعلمه بشدة فقرهم وحاجتهم إليه.
وكلما ألححت على الله بالدعاء، كنت منه أقرب، وإليه أحب، بخلاف ابن آدم، الذى يضجره كثرة السؤال، ويمله الإلحاح في الطلب، وقد يوفق شخص بإنسان مشفق محب، فإذا سأله شيئا بذله له، ثم إذا سأله ثانية أجابه مع تلكؤ وتردد، ثم إذا سأله ثالثة أجابه مع تكره وتبرم، وقد يسأله في الرابعة فلا يجيبه، أما الله تعالى فإنه يحب الملحين بالدعاء، ولا يمل من كثرة العطاء.