مقال

زهد رسول الله في المال

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن زهد رسول الله في المال
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الاثنين الموافق 15 يناير 2024

الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله، الملك، الحق، المبين، وأشهد أن نبينا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلى آله، وصحبه، أجمعين، أما بعد لقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم زاهدا في المال فإن طبيعة حياته صلي الله عليه وسلم تدل على ذلك أبلغ دلالة، فهو لم يفترش الحرير، ولم يلبس الديباج، ولم يتزين بالذهب، كان بيته كأبسط بيوت الناس، وكان يمر عليه الشهران، ولا يوقد في بيته نار، وقال عروة وهو يسمع خالته السيدة عائشة رضي الله عنها تتحدث بهذا إليه “يا خالتي، ما كان يعيشكم؟” قالت “إنما هما الأسودان التمر والماء” وذات مرة رأى عمر بن الخطاب الرسول صلي الله عليه وسلم نائما على حصير بال، وقد أثر في جسمه، فبكى، فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم “ما يبكيك؟” فقال ما بال كسرى وقيصر ينامان على الديباج والحرير.

وأنت رسول الله يؤثر في جنبك الحصير، فقال “يا عمر، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟” ولقد جاءت الغنائم إلى الرسول بعد انتصار المسلمين، فرأى نساؤه أن يستمتعن بشيء من هذه الغنائم، وطلبن منه أن يكون لهن نصيب منها، فإذا بالآية الكريمة ترد على سؤال هؤلاء النسوة، فجمع الرسول نساءه، وقال لهن “هل تردن الله ورسوله والدار الآخرة، أم تردن الدنيا وشهواتها؟” فاختارت كل واحدة منهن الله ورسوله والدار الآخرة، فمدحهن الله، ولقد توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، وقد عاش طول حياته، وما شبع من خبز الشعير قط، أما زهده في الجاه، فهو يتمثل في كل أحواله، أراد الصحابة أن يمتدحوه، ويثنوا عليه، فقال “لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم”

وجاءه الوليد بن المغيرة مندوبا عن المشركين ليفاوضه، وعرض عليه من كل متع الحياة، فكان جوابه أن قرأ عليه افتتاحية سورة “حم” فصلت، إلى قوله تعالى ” فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعة مثل صاعقة عاد وثمود ” وهذا هو الزهد الذي كان طبيعة من طبائع الرسول صلي الله عليه وسلم، ومن دلائل نبوته صلي الله عليه وسلم أنه كان أميّا، وأقام هذه الأعمال الكبار وهو أمي لم يقرأ، ولم يكتب، ولم يدخل معهدا، ولم يتتلمذ على أستاذ، ولكنه نجح، وبلغ هذه المرتبة التي لم يبلغها أحد قبله، ولا أحد بعده، والقرآن يسجل هذه الحقيقة ليجعلها أمارة صدقه، ودليل أمانته، وما كان الرسول صلي الله عليه وسلم يعلم شيئا من النبوة، ولا ما يتصل بالذات العليّة، فجريان هذه الأعمال على يديه إنما هو دليل الإعجاز.

لأن المتعلمين الذين ينقطعون للعلم والبحث ليعجزون أن يصنعوا شيئا مما فعله الرسول صلي الله عليه وسلم، ولا ريب أن هذا تأييد وتوفيق من الله تبارك وتعالى والقرآن، ولقد كان ذلك معروفا لدى خصومه وكان يواجههم به، ولم يستطع أحد منهم أن يشكك في هذه الحقيقة السافرة، أما الناحية الثالثة فهي الصدق، فلم يُعلم عن الرسول صلي الله عليه وسلم أنه كذب قط قبل البعثة ولا بعدها، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة، والقدوة، والمثال العملي لقمة الفضائل وليس في الدنيا أحد يصح أن يكون للإنسانية أسوة من سيرته وحياته، غير المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم فإن حياته هي حياة العظيم، اجتمعت فيها أربع خصال وهي خصال تاريخية يصدقها التاريخ الصحيح، ويشهد لها.

وخصال جامعة محيطة بأطوار الحياة، ومناهجها، وجميع شؤونها، وخصال كاملة متسلسلة لا تنقص شيئا من حلقات الحياة، وخصال عملية حققها الرسول صلى الله عليه وسلم في أعماله، وأخلاقه، وسيرته، في حياته الاجتماعية والشخصية، ولا نجد هذه الخصال الأربع مكتملة في أحد غير رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لأن الأنبياء إنما بعثوا لأزمانهم وشعوبهم، أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فرسالته للناس كافة، في كل العصور والأجيال فمسّت الحاجة إلى أن تكون سيرته شاملة ليتأسى بها جميع الأمم والأجناس والأجيال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى