الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما، إن من أسرار الإبتلاء وحكمه هو ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان ومنها حصول الإخلاص في الدعاء وصدق الإنابة إلى الله تعالي، والإلتجاء وشدة التضرع بمن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ومن فوائد الابتلاء هو تمحيص الذنوب والسيئات وبلوغ الدرجات العلية في الجنات من رب العالمين، وروي أنه كان في زمن حاتم الأصم رجل يقال له معاذ الكبير وقد أصابته مصيبة، فجزع منها وأمر بإحضار النائحات وكسر الأواني، فسمعه حاتم فذهب إلى تعزيته مع تلامذته وأمر تلميذا له فقال إذا جلست.
فاسألني عن قوله تعالى ” إن الإنسان لربه لكنود ” فسأله فقال حاتم ليس هذا موضع السؤال، فسأله ثانيا وثالثا فقال معناه أن الإنسان لكفور عداد للمصائب نساء للنعم مثل معاذ هذا، ان الله تعالى متعه بالنعم خمسين سنة فلم يجمع الناس عليها شاكرا لله عز وجل فلما أصابته مصيبة جمع الناس يشكو من الله تعالى ؟ فقال معاذ بلى إن معاذا لكنود عداد للمصائب نساء للنعم، فأمر بإخراج النائحات وتاب عن ذلك، ولنعلم جميعا بأنه “إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب” ويقول الله تعالي ” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمه وأولئك هم المهتدون” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
” ما رُزق عبد عطاء خيرا له ولا أوسع من الصبر ” رواه الحاكم، أما مصيبة المرض فإن الله جعلها تذكرة وتنبيها للمؤمن ليعود إلى ربه، وتنكسر نفسه بين يديه جل وعلا، وقد جعل الله الأجور الوفيرة لمن صبر على مرضه الذي نزل به، والمرض إما أن يكون حسيا عضويا، أو يكون مرضا نفسيا والأمراض في كل منهما تتفاوت درجاتها ولكن على قدر المشقة والألم يكون الأجر والجزاء، فإذا حلّ بك مرض صغيرا أو كبيرا فاصبر عليه صبر الراضي بقضاء الله وقدره وتذكر ما أعده الله تعالي للصابرين على ما أصابهم من الأمراض والأوجاع، وإن المرض خير للإنسان وعلامة من علامات الإيمان وأما من لم يصب بالمرض ولا بشيء من الأسقام فذاك نذير خطر، وعلامة شر، وفي كتاب الزهد لهنّاد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال.
” إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسما وأمرضهم قلبا، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلبا، وأمرضهم جسما، وايم الله لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان ” وقيل ذات يوم أقبل على النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم رجلا فظا غليظا، لم يكن قد رآه من قبل، غير أنه سمع أن محمدا يسب آلهة قريش والقبائل كلها، فحمل سيفه، وأقسم بالله ليُسوين حسابه مع محمد، ودخل عليه، وبدأ حديثه عاصفا مزمجرا، والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم، وتنطلق مع بسماته أطياف نور آسر، وما هي إلا لحظات حتى انقلب المغيظ المتجهم محبا يكاد من فرط الوجد والحياء يذوب، وانكفأ على يدي محمد صلى الله عليه وسلم يقبلهما ودموعه تنحدر غزيرة.
ولما أفاق قال يا محمد والله لقد سعيت إليك وما على وجه الأرض أبغض إلي منك، وإني لذاهب عنك وما على وجه الأرض أحب إلي منك، فما الذي حدث ؟ لقد أحب محمد صلى الله عليه وسلم الرجل من كل قلبه، فخر جبروت هذا الرجل صريع حب وديع، فإن قلب محمد صلى الله عليه وسلم مفتوح دائما لكل الناس، الأصدقاء والأعداء، وحينما اقترب الرجل من رسول الله صلى الله عليه وسلم مسته شعاعة من فيض قلبه الكبير.