الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقه ومنهاجه، وعلى التابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين، فإني أحبك يا رسول الله لأنه في حبك وفاء لك وإكراما وتقديرا، وأحبك يا رسول الله لأنك لم تترك خيرا إلا ودللتنا عليه ولم تترك شرا إلا وحذرتنا منه، وأحبك يا رسول الله لأنك كنت أرفع وأرقى وأسمى نموذج حي في الحياة وكنت أرقى صورة للمعلم المربي الفاضل وللزوج المثالي وللحاكم العادل وللقائد المحنك وللأب الحاني فأحبك يا رسول الله فمن أخلاقك علمتني الأخلاق ومن عبادتك علمتني كيف أعبد الله ومن شجاعتك علمتني الشجاعة وعدم الخوف إلا من الله ومن كرمك علمتني الكرم ومن عفوك وصفحك علمتني العفو ومن رحمتك علمتني الرحمة والرأفة والود والعطف والحنان.
وأحبك يا رسول الله لكي أشرب من يدك الشريفة شربة هنيئة مريئة لا أظمأ بعدها أبدا، وأحبك لكي أنظر إلى وجهك الأنور وإلى جبينك الأزهر وأحبك يا رسول الله لكي أجلس بجوارك، وأهنأ برفقتك فأنت الطاهر الأطهر، في جنات ونهر، عند مليك مقتدر، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله أما بعد فإن العامل الأكبر في بناء الحضارات وانتشار الإسلام في عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والسلف الصالح إنما هو مكارم الأخلاق الكريمة التي لمسها المدعون في هذا الجيل الفذ من المسلمين، سواء كانت هذه الأخلاق في مجال التجارة من البيع والشراء، مثل الصدق والأمانة، أو في مجال الحروب والمعارك، وفي عرض الإسلام عليهم وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، أو في حسن معاملة الأسرى، أو عدم قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان.
فإن هذه الأخلاق دفعت هؤلاء الناس يفكرون في هذا الدين الجديد، الذى يحمله هؤلاء، وغالبا كان ينتهي بهم المطاف إلى الدخول في هذا الدين وحب تعاليمه، ومؤاخاة المسلمين الفاتحين في الدين والعقيدة، فإن هذه الأخلاق أثارت إعجاب الباحث الفرنسي كليمان هوارت حيث يقول لم يكن محمد نبيا عاديا، بل استحق بجدارة أن يكون خاتم الأنبياء، لأنه قابل كل الصعاب التي قابلت كل الأنبياء الذين سبقوه مضاعفة من بني قومه، فإنه نبي ليس عاديا من يقسم أنه ” لو سرقت فاطمة ابنته لقطع يدها “ولو أن المسلمين اتخذوا رسولهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، قدوة في مكارم الأخلاق لأصبح العالم مسلما، فعلينا جميعا أن نتحلى بحسن الخلق وبسط الوجه وحب الآخرين، وما أجمل قول ابن حبان عندما قال”الواجب على العاقل أن يتحبب إلى الناس بلزوم حسن الخلق، وترك سوء الخلق.
لأن الخلق الحسن يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيئ، فيفسد الخلق السيئ الأخلاق الصالحة كلها” ولقد عاشت البشرية عامة، والجزيرة العربية خاصة، قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في ضلالات الشرك والجهل والفساد، وأصبحت البشرية في أسوأ أحوالها، تحتاج إلى من ينقذها مما هي فيه، ويصف لنا الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أحوال الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قصة إسلام الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه، خير شاهد ودليل على الضلال الذي ساد العالم كله قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.