مقال

غنى النفوس وقناعة القلوب

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن غنى النفوس وقناعة القلوب
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله تعالى ذو الجلال والإكرام، مانح المواهب العظام، والصلاة والسلام على النبي سيد الأنام، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم على التمام، فهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يجالس أصحابه ويماشيهم وإذا مشى مع أصحابه يمشون بين يديه وهو خلفهم ويقول دعوا ظهري للملائكة، وهو صلى الله عليه وسلم كان يماشي أصحابه فرادى وجماعة ومشى في بعض غزواته مرة فدميت أصبعه وسال منها الدم فقال هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت، وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان في السفر ساقه أصحابه يزجي الضعيف ويردفه ويدعو لهم، وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يكرم ضيفه ويجالسهم وكان يجلس على الأرض، ولما قدم عليه عدي بن حاتم دعاه إلى منزله فألقت إليه الجارية وسادة يجلس عليها فجعلها بينه وبين عدي.

وجلس صلى الله عليه وسلم على الأرض، وقال عدي فعرفت أنه ليس بملك، وهو صلى الله عليه وسلم كان يخفض طرفه، فعن أبي هالة عن الحسن بن علي قال أن النبي صلي الله عليه وسلم الذي كان خافض الطرف وهو من الخفض ضد الرفع فكان صلي الله عليه وسلم إذا نظر لم ينظر إلى شيء يخفض بصره لأن هذا من شأن من يكون دائم الفكرة لاشتغال قلبه بربه، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، وكان صلي الله عليه وسلم جل نظره الملاحظة والمراد أنه لم يكن نظره إلى الأشياء كنظر أهل الحرص والشره بل بقدر الحاجة، وهو صلى الله عليه وسلم كان أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة خيره الله تعالى بين أن يكون ملكا نبيا أو يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا، وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان ينام على الفراش تارة وعلى النطع تارة.

وعلى الحصير تارة وعلى الأرض تارة وعلى السرير تارة بين رماله وتارة على كساء أسود‏، حيث قال أنس بن مالك رضي الله عنه ” دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك يا عمر قال ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال بلى قال هو كذلك” ولنعلم جميعا بأن الغنى ليس بكثرة المال، وإن كان هو عند الناس الغني، ولكن الغني الحقيقي هو غنى النفوس وقناعة القلوب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

“ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس” وبهذا يضمن العبد الحياة الطيبة التي قال الله تعالى فيها “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة” وقد ذكر بعض المفسرين أنها حياة القناعة وأن يجمع له الله شمله يعني أموره المتفرقة، فيجعل خاطره مجتمعا غير متفرق وقلبه هادئا ونفسه ساكنة وعيشه هنيئا، فيكون في سرور وراحة بال، وكما يجمع عليه الأهل والأبناء والجيران، وإن الأسرة هي الخلية الاجتماعية الأولى في المجتمع، وعلى صلاحها وقوتها واستقامتها يتوقف صلاح المجتمع وقوته وتماسكه، فالمرأة والرجل هما عماد الأسرة، إذا صلح كل منهما استطاعا أن يكونا بيتا نموذجا على القواعد التي وضعها الإسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى