الحلال بيّن والحرام بيّن ” الجزء السابع عشر

”
إعداد / محمــــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السابع عشر مع الحلال بيّن والحرام بيّن، وقد توقفنا عند قول الله عز وجل فى سورة المائدة “ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعلمون” وهكذا فإن ما بت فيه الشرع قطعي لا جدال فيه، ولكن ما هي البحيرة؟ قال إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكرا شقوا أذنها، ومنعوا ركوبها، وتركوها لآلهتهم هذه بحيرة، وكان الرجل إذا قدم من سفر، أو برأ من مرض، أو نحو ذلك سيب ناقته وخلاها، وجعلها كالبحيرة تسمى سائبة، وكانت الشاة إذا ولدت أنثى هي لهم، وإذا ولدت ذكرا فهى لآلهتهم، وإذا ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم تسمى الوصيلة، والفحل إذا ركب ولد ولده قالوا قد حمى ظهره فلا يركب، ولا يحمل عليه، ويسمى الحام، فمن أين أتيتم بهذه الأحكام؟ والله تعالى وصفهم بأنهم لا يعلمون ولا يفقهون فقال تعالى فى سورة المائدة ” ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون”
وهذا مثل واضح، فالحرام ما حرمه الله والحلال ما أحله الله لهذا الدين، فقال تعالى كما جاء فى سورة الأعراف ” قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامه كذلك نفصل الأيات لقوم يعلمون” وإن فى الحلال ما يغنى عن الحرام، فإن هناك قاعدة أخرى من قواعد الحلال والحرام، ومن هذه القواعد أن في الحلال ما يغنى عن الحرام، وأعبر عن هذه الحقيقة كثيرا بأن ليس في الإسلام حرمان، إذا الله حرم الزنى أحلّ الزواج، إذا حرم لحم الخنزير أحلّ مئات أنواع اللحوم، وإذا حرم الخمر أباح الأشربة الطيبة، وإذا حرم الربا أحلّ البيع، أى لا يوجد حرام إلا وله بدائل عشرات بل مئات بل ألوف، لا يوجد حرمان في الإسلام لكن هناك قناة قذرة و قناة نظيفة، لذلك مثلا اليانصيب حرام لكن لو عشرة أشخاص كل واحد وضع ألفا في الشهر، وعملوا قرعة، كل شهر إلى فلان، هذه لا يوجد فيها شيء، وهذه حلال، واليانصيب حرام، فهناك أشياء محرمة لها بديل شرعى رائع.
والتأمين لو اجتمع عشرة أشخاص أو مائة شخص في مصلحة واحدة، وكل واحد وضع جزءا من راتبه في صندوق واحد، وتلفت بضاعته أو حدثت له كارثه يأخذ من هذا الصندوق تعويضا عن بضاعته فهذا حلال، وهذه الحصيلة للجميع، وهذا هو التأمين التعاوني، ولا يوجد عليه شائبة نهائيا، فما من شيء محرم إلا له بدائل كثيرة، لكن العلة فينا لا نريد منهج الله أما لو أردنا منهج الله فكل شيء حرمه الله له بديل، فقال تعالى كما جاء فى سورة النساء ” يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم، والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا” فما أدى إلى الحرام فهو حرام، فإن القاعدة الأخرى تقول أنه ما أدى إلى الحرام فهو حرام، فالزنا حرام ومقدماته حرام، فالنظر حرام، والخلوة حرام، والأدب الساقط حرام، والمشاهدات الماجنة حرام، فكل ما أدى إلى حرام فهو حرام، والخمر حرام، وبيعها حرام، وأن تجلس مع شارب خمر حرام.
وأن تعصرها، وأن تنقلها، وأن تعلن عنها، وأن تتاجر بها، فكل ما أدى إلى حرام فهو حرام، ولذلك قاعدة أوسع مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مالا يتم الفرض به فهو فرض، ما أدى إلى حرام فهو حرام، الوضوء فرض لماذا؟ لأن الصلاة لا تصح إلا به، فالصلاة فرض والوضوء فرض، والنبى صلى الله عليه وسلم قال لعن الله الخمر وشاربها وعاصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها، وهكذا فما أدى إلى حرام فهو حرام فإن الأصل في هذا الموضوع هو تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فإذا قال إنسان أنا عندي بيت أستثمره كل ليلة خمسة آلاف، وأنا لا دخل لى، إن شاء الله في رقبتهم، وإن هذا البيت يتم فيه الزنا، والبيت بيتك، وأنت مسؤول، وأنت لك نصيب من هذا الإثم، لأنك قدمت المكان، لذلك هذه الآية أصل ” ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” فلا تساهم لا من قريب ولا من بعيد، ولا تقدم مشورة ولا نصيحة، وأيضا إذا كنت تعمل تزيينات لملهى، أنت ساهمت فى هذا المكان الذى يعصى الله فيه.
فلا كهرباء ولا تزيين فقال الله تعالى فى سورة المائدة ” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” إذن ما أدى إلى حرام فهو حرام، وأيضا فإن التحايل على الحرام حرام، ومثال ذلك إذا قلت أنا لا أتعامل بالربا لكن آتى بسجادة، يأتينى الذي يطلب القرض الربوى أقول له هل تشترى هذه السجادة مثلا بمبلغ ثلاثة الاف ؟ يقول نعم، يشتريها بالدين، فإذا اشتراها دين يقول لى هل تشتريها نقدا؟ أقول له نعم أشتريها بألفين وأكتب في دفترى ثلاثة الاف ثمن سجادة بيعت بالدين، واشتراها دينا وباعني إياها نقدا، وأنا بعت واشتريت، فهذا ربا لكن بسورة بيع وشراء، فإن هذا هو التحايل والتحايل على الحرام حرام، وقيل مثلا إن أراد شاب أن يسكن مثلا مع أخوه وزوجة أخوه، وزوجة الأخ أجنبية ما هو الحل؟ يقول لك أحدهم هذه سهلة، فتاة صغيرة، عمرها سنتان من بيت الجيران، يطلب من امرأة أخيه أن ترضعها، ثم يخطب هذه الفتاة، تصبح زوجته وأمها حماته، يطلقها بعد ساعة، الحماة محرمة على التأبيد، جلس معها، انتهت المشكلة،
فهذا هو التحايل على الحرام وهو حرام، فإن اليهود ماذا فعلوا؟ حرم عليهم الصيد يوم السبت، فجعلوا حفرا على شاطئ البحر يوم الجمعة تأتى الحيتان إلى هذه الحفر، الجمعة مساء يغلقون طريق العودة، الحيتان حصرت في هذه الأحواض، يصطادونها يوم الأحد، الله عز وجل ذكر هذا في القرآن الكريم، وكل إنسان يحتال على الحرام واقع في الحرام نفسه وهو لا يشعر، وهو غبي، فإن الله الذي حرم هذا الشيء وهو يراك، فهذا باب الحيل الشرعية والاسم الأصح الحيل غير الشرعية، فيقول لك حجاب شرعى لا بل حجاب شارعى، وهذه الحيل غير شرعية، من الحيل الشرعية تسمية الشيء بغير اسمه وتغيير صورته مع بقاء حقيقته، مثلا ليستحل طائفة من أمتى الخمر يسمونها بغير اسمها يأتى على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع، مثلا ماذا يسمي الناس الخمر؟ مشروبات روحية غير القيم الروحية، ماذا يسمون الربا؟ فائدة، ماذا يسمون الفنون الساقطة؟ فن العمل الخليع اسمه فن، والخمر اسمه مشروبات روحية، والربا اسمها فائدة.
لو غيرت الاسم الحقيقة ثابتة إذا التحايل على الحرام حرام، وهكذا فإن الحلال والحرام أخطر موضوع على الإطلاق بعد الإيمان بالله فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة الأنعام ” فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون، الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” أى لو أنك آمنت ولم تعرف الحلال والحرام وتلبست بظلم لن تنجو من عذاب الله، فكلكم يعلم أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا، وعن أبى هريرة رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجه فى أن يدع طعامه وشرابه” رواه البخاري وأبو داود والترمذى، وقال الله تعالى كما جاء فى سورة التوبة ” قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين” فإن الصلاة، والصوم، والزكاة، وإذا حج العبد بمال حرام وقال لبيك اللهم لبيك، قال الله له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، فإن لذلك أخطر موضوع على الإطلاق بعد الإيمان بالله الحلال والحرام.