مقال

الدكروري يكتب عن مملكة النمل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن مملكة النمل
بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن استشعار عظمة الله ومعيته تبعث في النفس معنى الثبات والعزة, وتقوي العزائم حتى في أشد حالات الضنك، وقد كانت هذه الحقائق جلية عند الصحابة حتى مع الحصار الاقتصادي والاجتماعي في شعب أبي طالب، ولم تمضي سوى أعوام حتى فتح الله تعالي على أبي بكر وعمر وغيرهم أعظم انتصارات، ومن قبل يقف نبي الله موسى عليه السلام وجنوده عند شاطئ البحر فيقول بعضهم إن فرعون من ورائنا، والبحر من أمامنا, فأين الخلاص؟ فيقول الله عز وجل ” فلما تراءي الجمعان قال أصحاب موسي إنا لمدركون” فيرد نبي الله موسى عليه السلام في استشعار لعظمة الله، وثقة كاملة بموعود الله عز وجل ويقول ” كلا إن معي سيهدين” فكان بعدها النصر والتمكين.

وإن النمل من الحشرات القليلة التي أودع الله تعالي فيها غريزة ادخار الغذاء، فهو يحتفظ بالحبوب في مسكنه الرطب الدافئ تحت الأرض دون أن يصيبها التلف، ويتفنن النمل بطرق الادخار بحسب أنواعه، فهو يقطع حبة القمح نصفين ليلغي نمو رشيمها، ويقشر البقول لئلا تنبت من جديد أو يتركها عدة أسابيع في تهوية وحرارة معينة ويسمح لها بعدها بالإنبات، فتنمو ويظهر لها ساقان وجذران صغيران حيث يقوم بقطعها وتجفيفها، كي يصبح مادة جاهزة يتغذى عليها طوال مدة الشتاء، وإن دروس النمل تترا، فإنها لم تسم نملة إلا لتنملها أي، كثرة حركتها، مما ينم عن جد وجلد، تورث جدية ومثابرة عجيبين، فتحاول النملة الصعود مرات وكرات حتى تنجح، وهي التي تحمل فوق ظهرها.

أضعاف أوزانها مرات وكذلك عند بنائها البيوت ترى النمل، كل النمل دائب الحركة والعمل، لا ترى نملة واقفة، ولا أخرى نائمة أو قاعدة عن العمل، فالجدية والمثابرة صفة للنمل، يكاد يكون عليها إجماع الباحثين، وإن مجتمع النمل مجتمع متعاون، لا ترى نملة تبني بيتها وحدها أبدا، وعند حمل الحب يتعاونون أيضا، وكذا في السير ترى اجتماعهم في خط سير مستقيم، فما أحرى أمة الإسلام إلى تعاونها على البر والتقوى، في حين تفرقت أوصالها، وللتضحية في حياة النمل صور ومواقف، فعندما تقطع حاجزا مائيا أو جدول ماء، تتشابك أيديها، وتتلاحم كالجسر، يسير الباقي فوقها، وتذهب مجموعة مع سيل المياه، تضحي بنفسها لأجل الآخرين، والنمل يحتكر قوته في زمن الصيف لزمن الشتاء.

وله في الاحتكار من الحيل ما إنه إذا احتكر ما يخاف إنباته قسمه نصفين، وإذا خاف العفن على الحب أخرجه إلى ظاهر الأرض ونشره، وأكثر ما يفعل ذلك ليلا في ضوء القمر وبيوت النمل مقسمة إلى أماكن للتخزين، وأخرى للنوم، ومقر للملكة تبني عشها، وتجعل الفتحة جهة المشرق دوما، وكم من باحث يستدل على جهة المشرق بالنظر إلي جحور النمل، ومن النمل ما يزرع، ومنه ما يقطع الشجر، الملكة تضع البيض وتوجه، والشغالات في خدمة الملكة، والوصيفات تبلغ أوامر الملكة، والعساكر ينفذون، دون تنازع أو خصام، وعند الأزمات تسير قطعان النمل متحدة لتفتك بالعدو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى